نظام ممانعة الحريّة يبدأ بالانتقام!

عمر الشيخ5 أغسطس 2018آخر تحديث :
نظام ممانعة الحريّة يبدأ بالانتقام!

تثير الريبة تعابير الصحافة السياسية والتي تبحث عن قرّاء يروجون لأقلامها وأحداثها رغم تجلّي الحقائق والاستنتاجات من تجارب سابقة، المقصود هنا ما وصف “بالتسريبات” عن اجتماع أمني لأجهزة النظام السوري التي تستعد لإجرام مؤجل تحاسب فيه كلّ من “قال وشارك وسكت” ومعادل الحساب هنا هو: القتل!

أجل سوف يقتلون كلّ من لم يكن مع الأسد المتجذر بجيناته الروسيّة منذ الأب، سوف يسعون لتصفية جميع من في الداخل والخارج، ممّن رفضوا القتل وطالبوا بالحريّة، وسوف يتم خلط الجّهاديّ باللّيبراليّ بالسّلفيّ بالمعارض بالملحد بالمؤمن… خلطة النظام المعقّدة الّتي يجمعها فقط تنوّع التنكيل المرعب والتصفية الجّسديّة!

ثلاثة ملايين ملف أمني لدى زعماء نظام الممانعة للحريّة والعدالة والكرامة، ثلاثة ملايين ملف بانتظار مقصلة الحقد والطغيان الّتي باتت تُعلن قتل المعتقلين دون أيّ خوف من أحد، ألم يكن ذلك كلّه ثمناً لأن نعرف ماذا تعني السّياسية والحريّة؟ ثمناً من دمنا ودم الآلاف من أبناء بلدي، الّذين مضوا وفي خاطرهم فكرة، رغبة بالحريّة، هؤلاء الّذين رفعوا الورود للخوذ النّاقمة، وقدموا الماء لمواجهة الرّصاص المُستعبد، هؤلاء لم تشتريهم الدّول الدّاعمة للفصائل التي تعتبر نفسها “معارضة” وتبرم اتفاقيّات الهزيمة مع روسيا وأسدها، فصائل ورّطت المدنيين في صراع لم يكونوا بحجمه، ودفعت بأحلامهم لصفقات بيع الجغرافية المعارضة على طول البلاد وعرضها.

لم يصل ربّما، لأغلب السّوريين بعد، أنّ الشركاء من غير السّوريين هم احتلال مطلق. يستثمرون حماسهم بدعم السّلاح وما أنجبه السّلاح من حبّ للسلطة وغطرسة وعماء عن الحق والمساوة والإحسان، تُرى ألم تكن تلك الزّعمات المعارضة التي تسلّحت، قد نهلت لسنوات من طباع “البعث” وأفكار أجهزته وتوجّه مجتمعه المتخلّف؟ بالتأكيد أعدّت ملفات أمنية مماثلة كتلك التي يهدّدّ بها النظام معارضيه منذ نصف قرن إلى اليوم، بالتأكيد كان لديهم سجون وأجهزة أمن وحِسبة ومحاكم “شرعيّة” بدل محاكم أمن الدولة. إذاً لماذا تسمّى تلك القرارات التي تعمل بها منظومة السّلطة في دمشق ويعلمها الجميع على أنّها “تسريبات”؟ ما السرّ في ذلك؟ النظام يحضّر ملفات أمنيّة منذ ولد، ولكلّ من ليس منوّماً بحبّ القائد، وكلّ من لا يتعاطى منشّطات العبادة للأسد بين حين وآخر؟

إنّ الانتقام هو فعل الضّعفاء، ولعل تعاظم غياب العدالة في سورية، جعل من هذه البذرة أكثر خصوبة وانتشاراً في عقول الناس، إذ لا بدّ من النظر قليلاً إلى ما قبل الثورة السورية ومقدار تصفية الحسابات النشط بين المؤسسات والموظفين والمدراء والوزراء من الثقافة إلى الصناعة إلى الاقتصاد إلى الجيش والمؤسسات الأمنية والمشاريع الاستثمارية…إلخ، وخصوصاً ما كان يحدث بين القطاعين العام والخاص، وما لم يكن هذا الأخير متبرع بنصف أرباحه للعائلة الحاكمة، انتقمت منه كلّ أجهزة الأمن السورية وجعلته عميلاً للعدو!

أخبرتني صديقة في الداخل السوري منذ أيام، أنّ الأجواء عادت كما كانت، وركّزت على الأجواء الأمنية، المقصود بها لا قذائف ولا أصوات قصف ومفخخات، فقط غلاء الأسعار في كلّ شي يسحق الناس. ولكن مع “التسريبات” الأمنية التي لا أقارنها إطلاقاً بشهادة صديقتي، أستطيع أن أستنتج أنّ المرحلة الأولى من “الذل السوري” سوف تكون بإعادة الأمور كما كانت بقوة السّلاح، وبوجود التخطيط والاستثمار والحلول الروسية، وبعد ذلك سوف يتم تصفية الحسابات الأمنية مع كلّ من “قال وشارك وسكت” يعني كلّ من لم يحمل صورة للجزار ويهتف بأنّ “سورية مزرعته التي تمرّدت وآن أوان توبتها” سوف يكون الثمن هؤلاء حياتهم ولو كانوا في آخر الدنيا!

إنّ الأبد أحد أوجه الاعتياد الفكرية والخوف من تغير نسبة الاستقرار لدى البشر، والعادة على الاستقرار تشعر الإنسان بالأمن مهما كان ذلك مشروطاً، ولكن معادل ذاك الاعتياد هو مطلق العبودية والاستكانة لبطش مؤسس هذا “الأبد”.

إنّه أبد الخنوع! كيف يمكن معالجة مجتمع لا يرى في المعارضة إلا صورة الإسلام المتطرّف الذي جاءت من أفكار الإسلام السياسي وأخطائه الكارثيّة؟ كيف يمكن العمل على مواجهة هذا الأبد القاتل الذي يَحرص المجرم على أنّه “الحق والممانعة والمقاومة!” في الوقت الذي يتم استهداف الأراضي السورية بين حين وآخر وبرضاء الروس من قبل طائرات العدو الإسرائيلي؟

كيف لكلّ ذلك أنّ يراه السوريين ولا يحاولون التفكير للحظة أيّ مغامرة تاريخيّة أعلنتها بعض ألسنتهم بالرفض؟ إلاّ أنّ نظام الانتقامات واجه الألسنة بالسّلاح وبكلّ أنواع التخوين، ربّما، لأنّ الشعب لا يعرف… ولأنّ الناس لا تبحث ولا تعمل على فكرها ومعرفتها واطلاعها الجدي بالحريات والحقوق.

إنّ النظام لا يخاف من قطعان مسلحة معارضة أو موالية، ولو كانت مفخخة بشتى أنواع المليشيات المقاتلة والإمكانيات العسكرية، فهذا ملعبه وحليفه الروسي تاريخياً يشهد بذلك، إنه نظام عسكري وأمني وليس ديموقراطياً سياسياً مدنياً، إنه يخاف من القلم، من القول واللافتة، لاحظوا كيف جاء التسريب إياه “تصفية كلّ من قال وسكت وشارك” لأن من حمل السّلاح ضده، من السهل جداً التخلص منه، ودفع الآلاف من أبناء البلد الواحد إلى محرقة لتثبيت أبد الاعتياد دون نتائج سوى المأساة الإنسانية!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل