يعتقدون أن إدلب “غير”

بسام الرحال6 أغسطس 2018آخر تحديث :
يعتقدون أن إدلب “غير”

لا شيء في هذا الهدوء المقيت الذي يلف المدينة وكثير من أريافها يجعل منه شعوراً طيباً مستحباً يؤكد السكينة والاستقرار وازدهار الأسواق والأعمال ورغد العيش، فكم من مدينة في هذا الوطن المعجزة تم استباحتها والتنكيل بأهلها وإهلاك حرثها ونسلها بعد وقت قصير مستقطع منح للنفوس والقلوب المتعبة بغية تعويدها على الركون للحياة الرتيبة والوداعة بعيداً عن عزيف القاذفات وزئير الصواريخ والمدافع، مع تذكيرها دائماً بمصير أخواتها في الديار القريبة والبعيدة التي أبت ولو إلى حين ضئيل الركوع للظالم وحلفائه من المجرمين.

ثم جاءت لحظة الحقيقة المرة فعملت فيهم آلات حربية وإعلامية ونفسية فتكاً وتدميراً، فضيعت أحلامهم وقذفت بهم في أدغال المهاجر وفيافي المجهول.

كثر أولئك الذين يعتقدون أن إدلب “غير” ومختلفة عن باقي المناطق، وساقوا في سبيل تأكيد مزاعمهم أسباباً تبدو وجيهة أحياناً، وسخيفة أحياناً أخرى، حسب تصريحات الدول الصديقة والعدوة ومراكزها البحثية وأجهزتها الاستخبارتية، وليس بتركيا وحدها ولا بتأكيداتها الدائمة على سلامة إدلب، تسلم المدينة وقاطنيها من كافة ربوع الوطن الجريح الذي اشتركت على المكر له كافة القوى المؤثرة في الشأن السوري على اختلاف مناهجها وتناقض مصالحها وتحالفاتها.

ليس غريباً ولا مستبعداً أن يكون المكر الذي تعرضت له مجمل الفصائل والقوى السياسية السورية قد طال تركيا وصانعي السياسة الخارجية فيها، وتجري الآن عملية التنصل من التعهدات التي اتفقت على إبرامها طوعاً أو كرهاً مع أشد أعداء الثورة عنفاً ودهاء لمسائل تتعلق بأمنها القومي وحفاظاً على ما يمكن من الأرض والبيئة السورية المعارضة.

ومن جانب آخر ليس غريباً ولا مستبعداً وبحكم تجربة طويلة ومرة جعلتنا نصدق أي شيء مهما كان صعباً وغريباً أن تكون تركيا قد باعت وقبضت ثمن تأثيرها في الشأن السوري المعارض وترشيد قواه العسكرية والسياسية وإدارة مشاكلها وتناقضاتها، وإبعادها عن كل ما يعيق التزاماتها تجاه الروس والإيرانيون المتعهدون الحصريون للنظام وحواضنه، والعرابون المباشرون لكل سياساته وإنجازاته.

ما تحتاجه إدلب اليوم أكثر من مجرد أماني وأحلام وتطمينات من أي كان ومهما علا شأنه في عقول وقلوب الكثير من السوريين المعارضين، فالدول ليست جمعيات خيرية ولا مراكز لمنح الأمن والطمأنينة لأي كان ومهما علا شأنه هكذا وبدون أي عوائد أو مصالح تحقق لها أمنها ورفاه شعبها وأمانيها الاستراتيجية.

إدلب والشمال عموماً تحتاج إلى وقفات مسؤولة وعميقة تؤكد على الثوابت الراسخة لحركة السوريين وانتفاضتهم، والتي يعجز اللسان والبيان عن وصفه والإحاطة به وتأثيراته على مجمل المنطقة إن لم يكن على العالم برمته، والمواجهة الندية على أساس المصالح الوطنية والإستراتيجية ومع الأصدقاء قبل الأعداء.

ولا بد من ضرورة أن تبين الأطراف جميعاً لأصحاب الأرض والمصير الذين يعقدون الاتفاقات والتفاهمات بشأنهم، ونخص هنا الأصدقاء أو من يدعون ذلك بضرورة توضيح حيثيات اتفاقاتهم مع الأغراب ودون أي حضور أو توكيل على الأقل من أهل الأرض والديار والورثة الشرعيين والحصريين لحضارة تمتد في عمق التاريخ حتى نخاع عظمه.

يحتاج الشمال المحرر وإدلب خصوصا إلى بناء ثقة متبادلة بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية والبيئة المدنية الحاضنة للثورة، والتي كانت أس نجاحها ونشوة حلمها وطهر هدفها، ثم العمل على تأسيس مواثيق شرفية بين الجميع أساسه عدل القضية ونبل غاياتها والسير في مواجهة كاملة مهما كانت سبلها سلمية أو عسكرية، وإزالة كافة العوائق التي تعتري الميثاق الوطني الجامع والتحدث إلى جميع المؤثرين في الشأن الوطني من الأعداء والأصدقاء بلغة صادقة وعصرية موحدة مهما كانت سبلها سياسية أو عسكرية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل