سوتشي الآستانية

زكي الدروبي3 أغسطس 2018آخر تحديث :
سوتشي الآستانية

انتهى لقاء آستانا الذي تم اختيار مكان انعقاده بمدينة سوتشي الروسية، في رمزية فاقعة لما يريده الروس من إخضاع الشعب السوري الثائر، وإعادته لحضن نظام الأسد القاتل.

سوتشي التي استضافت قبل ذلك ما سمي بمؤتمر “الوحدة الوطنية”، والذي كان مقاطعته محل إجماع معظم قوى الشعب السوري الثورية والمدنية والسياسية المعارضة، والمؤسسات الرسمية التي ارتضاها المجتمع الدولي لتمثل ثورة الشعب السوري كالائتلاف وحكومته المؤقتة وهيئة المفاوضات، شهدت في حينه حفلة رقص وشتائم للثورة والمعارضة من قبل أكثر من ألف شخص، تم جمع معظمهم من سفلة المجتمع السوري، ليدعو أنهم يمثلون هذا الشعب العظيم.

ورغم مقاطعة الفعاليات الثورية والسياسية والمعارضة الرسمية المعترف بها دولياً على أنها ممثل للشعب السوري وثورته لمؤتمر سوتشي، إلا أن الروس اعتبروا أنه مؤتمر وطني، وهو غير صحيح لأن الحضور في المؤتمر يمثل نظام الأسد ولا يمثل الشعب السوري، وسوتشي نفسها تشهد اليوم بيان تسليم سوريا للروس والإيرانيين القتلة المحتلين من قبل المجتمع الدولي، وكان موقفه معاداة ثورات الربيع العربي ومهادنة الأنظمة المستبدة.

“الوحدة الوطنية” كلمة حق أريد بها باطل، فنظام الأسد المجرم القاتل لشعبه الناهب لثرواته يفهم معنى “الوحدة الوطنية” بأنها خضوع واستسلام كامل له، على عكس معناها الأساسي، والذي يفترض توحد الشعب حول هدف أسمى يلتف الجميع حوله، وخضوعهم للقانون والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية والدينية والقومية والثقافية، فأين الوحدة الوطنية في الخضوع لنظام أمني مستبد يمجد بشخص زعيمه لدرجة التأليه والخلود، ويعفي عائلته من أي تبعات قانونية، ويميز بين أتباع وحاشية هذا النظام وبين باقي الشعب، ولنا أن نتذكر أن رامي مخلوف كان يسيطر على 75% من اقتصاد سوريا، ولنا أن نتذكر قصة العقيد المهندس في القوات الجوية لجيش النظام حسان الشيخ الذي قتله سليمان الأسد نجل ابن عم بشار الأسد، بسبب تجاوز الضابط في سيارته لسليمان الأسد في مدينة اللاذقية، فأين المساواة في أشخاص فوق القانون حتى بين المؤيدين لنظام الأسد؟! وكيف ستتحقق الوحدة الوطنية في دولة يقتل نظامها شبابها تحت التعذيب، لأنهم تظاهروا يطالبون بإصلاحات اعترف هو نفسه بأنها “مطالب محقة” إن استمر هذا النظام جاثماً على صدر الشعب السوري؟!.

يظهر من البيان الخارج عن آستانا أن لا دور للسوريين أنفسهم أصحاب القضية، فالنقاط التي اتفقت الدول الضامنة عليها نتيجة مباحثات بين هذه الدول أنفسها، سواء تركيا التي تمثل الثورة السورية أم روسيا وايران اللتان تمثلان نظام الأسد، وقد اقتصر الحديث على سلة الدستور دون سواها من باقي القضايا، وهكذا تم اختزال بيان جنيف واحد وقرارات الأمم المتحدة والسلال الأربعة في سلة الدستور فقط، حيث تم تغليب سلة الدستور على باقي السلال التي كان يجب أن تسير بانتظام وبالتوازي.

والدستور هو عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الحاكم والشعب، ويقسم السلطة إلى عدة مؤسسات كي لا تتجمع في يد واحدة فتقع الدولة في يد الاستبداد، وهذا العقد الاجتماعي يعبر عن مصالح ورؤى وتطلعات الشعب، ويحصن وحدته الوطنية، فهل يؤدي هذا السعي المحموم من قبل روسيا وإيران لاختصار قصة الثورة السورية كلها في تعديلات دستورية وانتخابات شكلية تعيد إنتاج نظام قاتل لتحصين الوحدة الوطنية؟ أين السوريين أنفسهم وهم أصحاب الشأن في المبحث الدستوري هذا؟ هل تجري كتابة الدستور في ظروف طبيعية أم يكتب في ظروف الضغوط على المعارضة والشعب السوري بالتهجير والقتل واستعراض القوة والبلطجة؟ هل يتم السعي لتمثيل مصلحة السوريين المغيبين عن النقاش بمستقبل بلدهم أم يتم السعي لتمثيل مصلحة روسيا وإيران على تثبيت النظام؟.

يخرج بيان آستانا اليوم من مدينة سوتشي الروسية، ليظهر أن لا دور للسوريين في حل قضية بلدهم، إنما هي اتفاقات بين الدول المؤثرة في الشأن السوري، تعبر عن مصالح هذه الدول دون النظر أبداً لمصلحة الشعب السوري في الانتقال من نظام مستبد إلى نظام مدني ديمقراطي، ودون اعتبار لبيان جنيف واحد الذي وافقت عليه جميع الدول في حينه، ودون اعتبار لقرارات الأمم المتحدة، وكلها تتحدث عن إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تقوم بقيادة مرحلة انتقالية نحو الدولة المدنية الديمقراطية.

إذا فالدستور وكتابته من اختصاص هذه الهيئة، فهي التي ستضع المبادئ الدستورية العامة التي يجب أن يجتمع عليها جميع أفراد الشعب السوري، كي تحصن وحدته الوطنية بعد هذه الحرب المجنونة التي قادها نظام الأسد ضد الشعب السوري الذي تظاهر لشهور طويلة يطالب بالحرية والديمقراطية، والدستور يعبر كما أسلفت عن إرادة الشعب فأين الشعب من هذا؟ هل أعضاء اللجنة الدستورية التي تم اختيارها تمثل هذا الشعب في مخيماته وفي منافيه بدول اللجوء المختلفة أم تمثل مصالح الدول التي عينتهم في هذه اللجنة؟

اذا فآستانا الجديدة في سوتشي لا تحقق مصالح الشعب السوري، ولا تعبر عن قرارات الأمم المتحدة وجنيف التي تتحدث عن هيئة انتقالية كاملة الصلاحية هي من ستدعو للدستور، كما أن قرارات الأمم المتحدة عينت السيد ديمستورا وسيطاً ومنفذا لقرارات مجلس الأمن، وليس مقررا عن الشعب السوري يقوم باختيار اللجنة الدستورية بالتوافق مع الدول المقررة في الشأن السوري، ولا دور له أكثر من هذا، وعلينا جميعاً كأصحاب مصلحة أن نوحد جهدنا لنشكل جبهة قوية ضد من يحاول إعادة تعويم نظام الأسد، ونؤكد أن مصلحة الشعب السوري تتمثل في اختيار هيئة كاملة الصلاحية، تقوم بقيادة سوريا من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية حسب بيان جنيف واحد وقرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في كانون الأول 2015.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل