معلوم أن الجمع بين نظام عالي السكريات وعدم العناية بنظافة الفم يرفع احتمالية تسوس الأسنان، فالسكر يحفز تكون بيوفيلمات حمضية تدعى “اللويحات السنية” على الأسنان، فيتآكل سطحها، وتسوُّس الطفولة المبكرة نوع من أنواع التسوس الحاد الذي يُصاب به في الولايات المتحدة طفل من كل أربعة أطفال، ويعانيه مئات الملايين عالمياً، وهي مشكلة جسيمة منتشرة بين الفقراء.
وفي دراسة نُشرت نتائجها في مجلة “نيتشر كوميونيكشنز” قادها “هيون ميشيل كُو” بالتعاون مع “ديفيد كورمود” الأستاذ المساعد في كلية الطب وكلية الهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة بنسلفانيا، استخدم الباحثون جسيمات نانوية -كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سمحت باستخدامها- لتثبيط البيوفيلمات والحيلولة دون تسوس الأسنان في كل من مادة تشبه مينا الأسنان البشرية ونموذج حيواني يحاكي تسوس الطفولة المبكرة، إذ تُفكِّك الجسيمات النانوية اللُّوَيْحات السِّنّية بآلية فريدة مضادة للبيوفيلمات تتحفز بالحموضة.
وقال “كو” أستاذ في قِسم تقويم الأسنان في كلية طب الأسنان وفي شُعبتيْ طب أسنان الأطفال وصحة المجتمع الفموية بجامعة بنسلفانيا “وجدنا للجسيمات خاصية شبه إنزيمية، إذ تتحفز آليتها بالأس الهيدروجيني الحمضي، وتتوقف عند الدرجة الأسية المتعادلة؛ وتلك الجسيمات النانوية تعمل كالبيروكسيداز، إذ تحفز بيروكسيد الهيدروجين (مطهر شائع)، لتوليد جذور حرة تفكِّك البيوفيلمات وتقتلها في الظروف الحمضية، لا في الأس الهيدروجيني الفسيولوجي [البالغ نحو 7.4]، فيكون لها تأثير موجَّه”.
فاللُّوَيْحات المتسببة في التسوس حمضية جداً، ولذا فالعلاج الجديد قادر على استهداف مناطق سِنِّية معينة تحوي بيوفيلمات مُمْرضة، من دون إيذاء ما يحيط بها من أنسجة فموية ومِجْهَرِيّات.
وكانت إدارة الغذاء والدواء سمحت بعلاج نقص الحديد باستخدام الجسيمات النانوية المحتوية على الحديد (فيريومُكسيتول) التي استُخدمت في هذه التجارب. وفي هذا إشارة واعدة إلى أمان الاستخدام الموضعي لهذه الجسيمات النانوية بتركيز أقل بمئات المرات. وصحيح أن بعض العلماء ظنوا أن المواد الطبية التي ستوضع على الفيريومكسيتول وغيره من الجسيمات النانوية ستثبط نشاطها، لكن كو وليو وكورمود بيَّنوا أن الجسيمات تلك حافظت على نشاطها الشبيه بنشاط البيروكسيداز، محفِّزةً بيروكسيد الهيدروجين.
وبعد اختبار التركيبة تلك بمادة تشبه مينا الأسنان، اختبرها الفريق بنموذج تجريبي يحاكي الظروف التي تكُون في فم الإنسان محاكاة أدق، وقال كو «استخدمنا عينات لُويْحيَّة أخذناها من أشخاص يعانون من تسوس الأسنان، لنعيد تشكيل تلك البيوفيلمات المُمْرضة على مينا أسنان بشرية، فبيّنت هذه المحاكاة أن علاجنا لم يثبط البيوفيلم وحسب، بل حال أيضاً دون القضاء على معادن أسطح الأسنان، وفي هذا دليل قوي على فعالية استخدامه بشريًّا.»
وبدراسات أخرى أُجريَت بنموذج من نماذج القوارض التي تحاكي مراحل تطور التسوس في أسنان البشر، تَبيَّن أن استخدام الفيريومكسيتول وبيروكسيد الهيدروجين مرتيْن يومياً خفض بصورة كبيرة حدة التسوس في أسطح الأسنان كلها، وحال تمامًا دون تكوُّن تجاويف في المينا.
ومن الأدلة أيضاً على كفاءة هذا العلاج الموجَّه وأثره أن الباحثين لم يجدوا تغيُّراً ملحوظاً في تنوع الميكروبات الفموية بعد العلاج، ولا أي علامة على تلف الأنسجة، وعن هذا قال كو «هذا العلاج لا يقضى على الميكروبات عشوائياً، بل يَنشط فقط حيث البيوفيلمات المُمْرِضة؛ وبهذا العلاج الدقيق يمكن استهداف الأماكن المصابة من دون الإخلال بتوازن المجهريات الفموية اللازم لصحة الفم، مع الحيلولة أيضاً دون الإصابة بالكائنات الانتهازية المسبِّبة للمرض».
وأضاف أن دمج تلك الجسيمات النانوية في الغسول الفموي أو معجون الأسنان سيرفع كفاءتهما بطريقة اقتصادية؛ ففي كثير من تلك المنتجات بيروكسيد الهيدروجين بالفعل، ولن يُحتاج إلا إلى إضافة كمية طفيفة من تلك الجسيمات النانوية قليلة التكلفة نسبياً، وبهذه الأدلة التي تَدعم فعالية هذه العلاج في القضاء على التسوس في النموذج الحيواني والنموذج شبه البشري، يكون لدى الباحثين ما يدعمهم في اختبار كفاءته السريرية.
عذراً التعليقات مغلقة