منذ انطلاق الثورة السورية السلمية في العام 2011 ضد النظام الاستبدادي، والتي طالبت بالحرية والكرامة، تصدى لها النظام الدموي بالقمع باستخدام مختلف أنواع الأسلحة من دبابات وطائرات وسلاح كيماوي، وارتكب مئات المجازر بحق الحاضنة الشعبية للثورة، فقتل واعتقل وهجّر الملايين ، ودمّر المدن والبلدات بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، ما أجبر الملايين على النزوح في الداخل، واللجوء إلى دول الجوار ومختلف بقاع العالم خلال السنوات الماضية من الحرب، وتحولت سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
رغم الحياة القاسية التي يتحملها اللاجئون السوريون في مخيمات اللجوء بدول الجوار، وقد فرّ معظمهم من قراهم ومدنهم خوفاً من بطش النظام وتنكيله، ويعيشون في ظروف اقتصادية وصحية وتعليمية واجتماعية سيئة في المخيمات؛ اللاجئون اليوم في خطر داهم ومحدق بسبب المؤامرة التي تحاك خيوطها ضدهم بين عصابة النظام وحلفائه من جهة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR ” والدول المضيفة من جهة ثانية، ضاربين بعرض الحائط كل القوانين الدولية والاتفاقات التي تنص على توفير الحماية القانونية للاجئين في الأقاليم والدول المتعاقدة والموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بحماية اللاجئين وأهمها “حق الحماية والسكن والعمل والتقاضي والتنقل، والحق في الحصول على الوثائق والقيود وجوازات السفر التي تمكنهم من السفر بين الدول”، تلك الحقوق التي تعمد الجميع انتقاصها للتضييق والضغط على اللاجئين السوريين مما أدى الى تشتيت الأسرة الواحدة في أكثر من دولة.
تتمثل المؤامرة اليوم بالعودة القسرية للاجئين إلى سوريا التي لم تتوقف فيها رحى الحرب، إضافة لبقاء النظام المجرم الذي قتلهم وشردهم، حيث المدن المدمرة التي تفتقر للخدمات والبنى التحتية وانتشار الفوضى وانعدام الأمن وسبل الحياة الاجتماعية والاقتصادية وانتشار البطالة.
تقول المفوضية التابعة للأمم المتحدة: يمكن للاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا، فعل ذلك طواعية وبحريّة وهي لن تشجع ذلك أو تسهل عودتهم قبل أن تُقدّر الأوضاع في سوريا على أنها أمنة، لكنها منذ بداية هذا العام أقدمت على قطع المساعدات المادية عن معظم اللاجئين في لبنان والأردن في خطوة “غير قانونية ولا إنسانية” فهذان البلدان يحرمان اللاجئ السوري من حق العمل، يضاف إلى ذلك الحالة الاقتصادية السيئة في البلدين وانتشار البطالة.
وفي خطوة تصل إلى حد “الجريمة الإنسانية” تمت دعوة الهيئة التدريسية والإدارية لاجتماع في مخيم الزعتري بالأردن من قِبل المفوضية التابعة للأمم المتحدة والجانب الأردني، وتم ابلاغ الجميع بإنهاء عقود عملهم، تضم الهيئة 450 معلم ومعلمة من السوريين ومثلهم من المعلمين الأردنيين، موزعين على 29 مدرسة داخل المخيم الذي يضم حوالي 150 ألف لاجئ، بينهم آلاف الطلاب بمختلف المراحل الدراسية “الإبتدائية والإعدادية والثانوية” وذات الأمر بدأ في لبنان.
ماذا يعني هذا التصرف من جانب مفوضية الأمم المتحدة المناقض لتصريحاتها بعدم الضغط على اللاجئين؟ أين هي طوعية العودة التي تؤكد عليها وهي تمارس عليهم كل أنواع الضغط الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، من خلال قطع المساعدات واغلاق المدارس وانهاء عمل المدرسين والعلاج المجاني.
خطوات التضييق والضغط على اللاجئين في لبنان والأردن التي أقدمت عليها مفوضية الأمم المتحدة، تتناغم مع السياسة الروسية “الوصية على النظام”، التي تتجه للمتاجرة بملف اللاجئين ومصادرته وتمييعه، كما صادرت ملف المعتقلين في المحافل الدولية ومكنت النظام من الكشف عن مصيرهم والتخلص منهم بإعلان وفاتهم بالسكتة القلبية، أو كما علق البعض ساخراً “السكتة الأسدية” بينما العالم في صمت مطبق، يرى ويسمع ويتفرج.
يمكننا القول اليوم أن معظم اللاجئين سيكونون ضحية سياسة الأمم المتحدة في التهجير القسرى المعاكس لرفع المسؤولية الأممية والدولية عن عاتقها، إن لم تستنفر كل الجهود لوقف هذه المؤامرة الدولية اللاأخلاقية على ثورة السوريين واللاجئين المظلومين، فمن سيُجبر على العودة بوجود النظام المجرم ليس أمامه إلا الاعتقال أو التجنيد الإجباري، يجب على كافة اللجان الحقوقية والتي تعنى بالشأن الإنساني والقانوني، أن تتحمل مسؤولياتها وتبادر باتخاذ التدابير اللازمة التي تكفل حماية اللاجئين من التصرفات التعسفية التي ستلحق بهم من خلال العودة القسرية.
إن الخطة التي يُروّج لها الروس بخصوص إعادة اللاجئين إلى سوريا، توحي تفاصيلها أن هناك ضوءاً أخضر من الأمم المتحدة والدول المضيفة بالموافقة على تطبيقها، وأن هناك عملية فرز بين اللاجئين من جانب الدول المضيفة، ممن ستطالهم العودة دون معرفة معيار ذلك بالنسبة للسوريبن.
وبحسب معطيات وزارة الدفاع الروسية، فإن بإمكان نحو 1.7 مليون لاجئ سوري العودة إلى الوطن في وقت قريب:
– 890 ألف لاجئ من لبنان
– 300 ألف لاجئ من تركيا
– 200 ألف لاجئ من الدول الأوربية
– 150 ألف لاجئ من الأردن
– 100 ألف لاجئ من العراق
– 100 ألف لاجئ من مصر
وتزعم أن بالإمكان استقبال 340 الف لاجئ حالياً في 76 مركزاً سكنياً في في المناطق الأقل تضرراً جراء الحرب، في محافظات حلب وريف دمشق وحمص وحماة ودير الزور ومنطقة القلمون الشرقي التي تم إعادة 1000 شخص إليها الأسبوع الماضي، ومع إعادة الإعمار “الإصلاح” خلال 6 اشهر يمكن استقبال 600 ألف لاجئ.
لماذا كل هذه الثقة وكل هذا التفصيل من الجانب الروسي؟ لاشك إن حدث هذا، فإن هناك اتفاقاً ما مع الأمم المتحدة والدول المضيفة التي سيتم إعادة اللاجئين منها.
عذراً التعليقات مغلقة