محمد العبد الله – حرية برس
بعد تعرض تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لضربةٍ قاسية عقب طرده من أبرز معاقله في الرقة ومن ثم معظم محافظة دير الزور وريف حمص الشرقي، يسعى “داعش” لإعادة ترتيب أوراقه للتوغل مجدداً في سوريا، ما يفتح باب التساؤل حول العوامل التي ساعدت التنظيم لبدء استعادة عافيته، وهل من الممكن أن يعود للسيطرة على مساحات واسعة في سوريا كما كان في عام 2016.
ونشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية قبل أيام تقريراً، أكدت فيه أن تنظيم “داعش” بدأ يخرج من الظل، ويعود من جديد لساحات المعارك في سوريا، مشيرةً الى أن عودة التنظيم الذي يُفترض أنه تعرض لهزيمةٍ عسكريةٍ؛ تحدث بسرعة وديناميكية، حيث يُعتقد أن هناك اليوم قرابة 8 إلى 10 آلاف مقاتل تابعين للتنظيم، منتشرين بين العراق وسوريا.
“داعش” أداة أميركا المفضلة
وأشارت الصحيفة إلى أن “وحدات حماية الشعب” الكردية المدعومة أميركياً، والتي كانت تقاتل تنظيم “داعش” تحولت الى قتال القوات التركية، مضيفةً أن “PYD” لا تتحرك لإنهاء جيب يسيطر عليه مقاتلو “داعش” شرق سوريا، خشية أن يخرج الغربيون ويتوقف الدعم الخارجي لهم.
وقال عضو الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية سائد الشخلها: إن “الولايات المتحدة الأميركية تسعى الى توظيف داعش كأداة، لانهاء تواجد المبليشيات الايرانية شرق سوريا، والتي تسعى لتأمين طريق لها من العراق الى لبنان عبر دير الزور والرقة والبادية السورية، وبالتالي فإن واشنطن ستقوم بتوفير دعم خفي لداعش لدفعه نحو السيطرة على المناطق التي تتواجد فيها الميليشيات الايرانية تمهيداً لإنهاء وجودها في سوريا”.
وأضاف الشخلها لحرية برس أن “واشنطن تخطط للسيطرة على كامل مناطق شرقي الفرات الغنية بالنفط والتي تتواجد فيها قوات النظام وميليشيات ايران، إلا أنها لا تستطيع أن تصطدم بها كون روسيا تعتبر داعم لها، وبالتالي فإن دونالد ترامب يخطط لدفع داعش نحو السيطرة على دير الزور، ومن ثم تعود واشنطن عبر حليفتها الوحدات الكردية للسيطرة عليها من التنظيم”.
وأشار الشخلها الى أن “القضاء على داعش غير وارد، فأميركا التي صنعت داعش وزرعته في الشرق الأوسط لا تريد القضاء عليه، فهو حجة لها للتدخل في أي مكان تريد السيطرة عليه أو تدميره، وسنشهد خلال السنوات القادمة لعبة القط والفأر، بمعنى أن داعش (الفأر) سيتم دفعه نحو منطقة ما، ومن ثم تأتي أميركا (القط) لملاحقته والانقضاض عليه”.
توغل في مناطق جديدة
وسعى “داعش” خلال الفترة الماضية الى التوغل في مناطق جديدة، حيث لجأ التنظيم عبر خلايا نائمة تابعة له للتوغل في عمق إدلب، ونفذ سلسلةً من الاغتيالات والإعدامات الميدانية بحق عناصر وقيادات من “هيئة تحرير الشام”، التي أكدت أنها تقوم بعمليات واسعة للقضاء على خلايا التنظيم في إدلب، ولا سيما العملية الأمنية التي أطلقتها في سرمين بريف ادلب.
وأشارت صحيفة “الإندبندنت” إلى أن “زعيم هيئة تحرير الشام أبا محمد الجولاني، يريد إظهار أنه يقوم بمواجهة تنظيم داعش في إدلب، للحصول على دعم من دول الخليج، وشطب حركته من قائمة الجماعات الإرهابية، التي تعدها وزارة الخارجية الأمريكية”.
كما استطاع التنظيم السيطرة على بلدة حيط في حوض اليرموك الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وتزامن تقدم داعش في الجنوب مع سيطرته على حقل الصيجان النفطي في ريف دير الزور الشرقي، فضلاً عن سلسلة من الهجمات نفذها التنظيم الشهر الماضي ضد مواقع للنظام وروسيا قرب البوكمال والميادين، اضافةً الى هجمات ضد مواقع “قسد” في الرقة، وعمليات مباغتة ضد قوات النظام في البادية شرقي حمص.
وقال مدير “مرصد العدالة من أجل الحياة” جلال الحمد لحرية برس: إنه “بعد انسحاب داعش من دير الزور تمركز في البادية، وبات يعرف تماماً كيف يتحرك فيها، حيث كان يُحضّر نفسه جيداً خلال السنوات الماضية على التمركز في البادية، والتي أصبحت نقطة انطلاق له لشن هجمات متفرقة، وبالتالي أصبح من الصعب على قسد أو النظام محاربة داعش في البادية”.
وأشار الحمد الى أن “داعش قد يتوغل بشكل أكبر وتزداد قوته خلال الفترة القادمة في ظل تهاون الولايات المتحدة الأميركية معه، لكن من المستبعد أن يتمكن التنظيم من استعادة كامل المساحات التي كانت بحوزته قبل عامين، في ظل الخسائر الكبيرة التي تعرض لها في السابق”.
في حين قال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة: إن “تحريك داعش في هذا التوقيت يأتي لخلط الأوراق، ولإعطاء النظام والروس وقوات التحالف شرعية لقصف إدلب، كما أن المجتمع الدولي اتخذ قرار الاستقرار الأمني في سوريا، وهذا لن يتحقق إلا بسحب السلاح من الفصائل، وإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، ولاشك أن تحركات داعش وعمليات الاغتيال تشكل بيئة مناسبة لتغيرات في إدلب”.
وأضاف حمادة أن “النظام السوري سبق أن سهّل تحركات داعش في العديد من المناطق لتنفيذ أجندته، فوجود التنظيم يخلق ذريعة للتدخل الإيراني والروسي وحتى الأمريكي للقصف واستخدام كافة أنواع الأسلحة، وما حصل في ادلب قبل أشهر كان مثالاً حياً للتواطئ بين داعش والنظام، حيث استخدم الأسد التنظيم للتقدم نحو ريف ادلب الشرقي”.
كيف يمكن القضاء على داعش؟
من جهة أخرى وفي ظل التواجد المستمر لداعش في سوريا، يبقى التساؤل حول كيفية القضاء عليه، ويرى الخبير العسكري محمود إبراهيم، أنه “لا يمكن أن ينتهي داعش كأي عصابة يتم فيها اعتقال أو قتل قادتها وتنتهي، فهو تنظيم هلامي يُقاد بعقول من خارج حدود أماكن تواجده سواءً في العراق أو سوريا، والمثال على ذلك ما حصل منذ نشأة داعش في البداية من خلال تنظيم التوحيد والجهاد بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، ومن ثم اختفى الزرقاوي ليظهر التنظيم مجدداً تحت اسم دولة العراق، ومن ثم ظهر داعش تحت اسم دولة العراق والشام”.
وأضاف إبراهيم أن “داعش أثبت قدرته على الضرب حيث يشاء في سوريا، لكن هذا لا يعني أن داعش سيستمر بشكله الذي اعتدنا عليه، كما أنه من الممكن أن يكون هناك ظهور لداعش في أماكن أخرى من العالم كأفغانستان وخاصةً بعد أن سيطر مؤديون للتنظيم على بعض المناطق الاستراتيجية في أفغانستان، وكذلك قد نرى ظهور لداعش أيضاً في مالي ومينمار”.
في حين رأى جلال الحمد أن “القضاء على داعش يمكن أن يتم عبر ثلاثة مسارات، الأول هو المسار الثقافي آو الفكري، ويكون عبر محاربة ثقافة التطرف، واستبدالها بثقافة مدنية أو ثقافة المواطن أو ثقافة حقوق الإنسان، والثاني عبر المسار العسكري من خلال قيام أبناء المنطقة التي يوجد فيها التنظيم بمحاربته بدعم من القوة التي تخطط لمحاربة الإرهاب، وكذلك المسار السياسي عبر ايجاد حل ينهي حكم نظام الأسد الذي يُسهّل توغل داعش في سوريا”.
بينما يرى سائد الشخلها أن “القضاء على داعش يكون بمحاربة فكره، واعادة مفهوم الدين الأصلي، كما أن تزايد انتشار مفاهيم داعش، يعود الى عدم وجود علماء أكفاء أصحاب شعبية تستطيع انتاج فكر مضاد لفكر التنظيم، أي أن القضاء على داعش بشكل نهائي لا يتم فقط بشكل عسكري، إنما يتطلب القضاء عليه فكرياً خاصةً أنه خلق فئة من الأطفال وصغار السن تؤمن بفكر التنظيم وتعتبر نواة لجيل قادم من الجهادين”.
Sorry Comments are closed