موسيقى صاخبة من ذاك المنزل المجنون..
لم تفهم شيئاً من تلك الكلمات .. و لا تعتقد أن تلك الموسيقى غريبة عنها..
فتحت نافذتها .. حاولت أن لا تنصت، فالأمر لا يهم مع كل تلك الافكار التي تجول في رأسها الآن.
نظرت إلى الحقيبة الملقاة على جانب الباب.. حقيبة سفر.. تذكر يوم أن أحضرتها والدتها من السوق والجميع أمام حجمها الكبير يضحكون!
يومها.. فقط تلك الأم الأربعينة لم تضحك، استمرت بوضع أغراض كثيرة داخلها..
يومها.. ذاك الشاب الجميل وقف فوق رأسها وأخبرها: لن نحتاجها للعمرة يا أمي!
بالفعل لم تحتاجها لإداء العمرة في ذاك العام.. و لا حتى في سواه!
عند رحيل ذاك الشاب الجميل لم تعد تحتاج كثيرا للحقائب.
أخرجتها من فوق الخزانة ووضعتها على أعلى مكان في المنزل حيث لا تنظر إليها أوقات التنظيف، ولم تعد تشتري مزيداً من الحقائب ..
الأكياس وراء البراد كثر!
الموسيقى تقترب … حملت هاتفها تصفحت برنامجاً أخضر.. لم ترد على المحادثات
بحثت عنه.. نظرت إليه بتمعن بعدما اعتادت أن تقص كل شيء سوى عينيه!
كيف لأحدهم أن يعيش مع العيون فقط!!
ضحكت من سرها.. يجب عليها أن تتعلم الدرس.. سيجيبها بعد يومين أو ثلاثة، وسيضع لها وردة يقطفها بسهولة أكثر سهولة من ردوده المقتضبة تلك.
بصراحة هي لا تبكي إلا أمام صورته ولهذا تخشى أن تشي تلك الصورة اللعينة بشيء من ضعفها .. طالما كانت صغيرة و هي تشاهد آلآم سالي “طفلة الكرتون”.
اشترت صورتها عندما لم تعد تحتمل مزيداً من مشاهدة ألمها، فقررت أن تقاسمها الشعور ذاك بالنظر في الصور!
وفي اليوم الذي اشترت فيها تلك الصورة و خبأتها داخل دفترها، عاد والد سالي من سفر ظنت طوال تلك الحلقات أنه مات.
كم ندمت يومها أنها سمعت قول عمتها المتدينة أن الاحتفاظ بالصور الآدمية حرام!
ضحكت أكثر من كونها ألفت تلك الموسيقى بأي حال.
أخذت تبحث عن صورة قديمة.. لكنها وجدت صورة صديقة، أو لنقل صورة كانت لصديقة.. أرسلت لها مؤخراً أنها معها في أزمتها المكانية تلك.
ما نفع أن نكون مع بعضنا فقط في الأزمات؟!
أي عادات بالية تلك؟!
في الأزمات أي أحد في أي بلد ومن أي دين وأي عرق.. قد يكون حلا لأزمة تافهة أو عظيمة.. أكبر دليل على صحة هذا الكلام.. هي الأموال .. نعمل طويلاً من أجل رفاهية.. أو حتى عندما نقع في الأزمات تكون الحل!
كانت ستكتب شكراً ..لكنها لم تفعل
يخيفها كل الأفراد الذين لا يجيدون الاعتذار أو حتى لا يعرفون من الحب إلا قشوره، و من يخيفها أكثر أولئك الحمقى الذين يخشون أحدهم من أجل ضمانهم في قائمة أصدقائهم.. من أجل تسلية ما، أو عوناً لغربة، أو حتى بدون مصلحة.. هم فقط يخافون الآخر الذي يحاول أن يستبد بطريقة ما.
حتى مسميات عديدة..
تلك الصور تأخذها بنزهة من القرف الكثير هنا..
رأت صور عملها الذي ظنته أنه جميل يوما ما ..
لم تكن تعرف أنها تتعامل مع أفراد مخابرات فاشلين..
كل ما يعتمدون عليه لاستخباراتهم العظيمة أراء من لا رأي له من الناس حولهم!
بصراحة تلك السنوات عبارة عن مستنقع..
حتى في المؤسسات التربوية لا يختلفون عن نظام البعث بشيء .. كل ما عليك فعله هو تقديس الآخر بطرق متعددة.. هكذا ستضمن مكانك بين الخراف!
الخراف …!
لكن موعد السفر اقترب.. اقترب جدا .. كيف ستعود لبلدٍ رئيس خرافهم كلب؟؟!
بصراحة هنا الكلاب كثيرة لكن كمية الدماء البشرية أقل..
هنا دماء القلوب لا أفواه لها ..
لا مزيد من الصور في هذا الهاتف الأخرق ..و هاهي الموسيقى تختفي.. و هي تنصت لها جيدا.
يسألها أحدهم أنه هناك من يريد أن تكتب له شيئاً دعوياً تحفيزا بمقابل مادي مجزٍ!
“مؤمنة بأن القلب الصادق يعطي فرصة واحد فقط، وكل ما يتبعها هو محض مسرحيات يكذب فيها على نفسه بأن شيئاً لن يتغير.. وبأن الأشياء من طرف واحد ناقصة مهما اكتملت.. و بأن لأرواحنا درجات حرارة متغيرة، سنفتر يوماً، ونبرد يوماً، ونحترق في آخر .. و بأن من يرحل عنا خير ممن يتبدل علينا!
مؤمنة بأن ثلثا الغياب هو غياب أنفسنا مع الغائب، لذا ترانا و إن عادوا لا نستطيع المواصلة من حيث كنا، بيد أننا لم نعد نحن معهم!
مؤمنة بأن للحب درجات مهما عظم، لذا من الحمق أن نعبث فيه ظناً منا أنه كما كان سيبقى مهما فعلنا..
مؤمنة أن الثقة تبنى على المواقف فحسب، ومن الحمق أن نبنيها على الشعور و الوقت.. و بأن العهود التي قطعناها على أنفسنا ونكثنا بها ..ستنكث بنا يوما ما .. كما فعلنا مسبقا!
مؤمنة بأن اللامبالي هو أكثر من بالى بيننا حتى أنهكه ذلك!
مؤمنة بأن أفضل هدية يمكن أن نهديها لأنفسنا هي التخلي.. التخلي عن كل ما يشدنا للأسفل بينما نحن نحاول الصعود .. وبأن الهجر لا يأتي دفعة واحدة كما نظن .. الهجر يبدأ بإشارة صغيرة نتجاهلها لقلة الحيلة، تتبعها ظروف وأعذار وساعات فارغة!
مؤمنة بأننا وحيدون مهما ادعينا وصدقنا غير ذلك … بأننا سنجرد من الأب والأم والزوج والابن والحبيبة والصديق.. واحدا تلو الآخر … و نعود لنبكي كما بكينا حين أتينا الدنيا .. لكن الفرق هذه المرة هو أنه لا ذراعا ستنتشلك لتحضنك!
مؤمنة بأن أعظم بحث هو بحثنا عن أنفسنا وبأننا في كل يوم نبحث عن ذاتنا دون أن ندركها.. و بأن الله هو الحقيقة الوحيدة .. و كل ما دونه سراب”
– هذا الهراء لا يصلح للنشر. قالها السيد!
لا بأس..
أخذتْ كرسياً آخر و أخذت تستمع إلى تلك الموسيقى التي عادت من جديد!!
عذراً التعليقات مغلقة