هل أتاك حديث الجدار؟

بسام الرحال11 يوليو 2018آخر تحديث :
بسام الرحال

على مدى شهرين كاملين قضيناها في مخيم بدائي مسبق الصنع بإرادة أطراف متعددة خططت وبرمجت ونفذت أقسى عملية ترانسفير وتغيير عمودي في مجتمع تقوده طغمة مارقة كانت تحاول إيهام العالم بأمنها وأمانها والتزامها وبإرادة حرة في أمن جيرانها وإن اقتطعوا جزءاً من أرضها أو استثمروا بعضاً من ممتلكاتها.

كانت حياة المخيم صعبة وبائسة ولا تصلح للكائنات العاقلة، عليك أن تصطف بنظام على كل شيء حتى لتلبية حاجاتك الفطرية الأساسية، ولم تكن الصعوبات تقتصر على شغف العيش هذا بل امتدت إلى مشاعر مختلطة حول حكم الفصائل ومدى أهليتها الأخلاقية لقيادة الثورة اليتيمة ومدى التزامها بالدفاع عن أرضها بعيداً عن رغبات الداعمين والمشغلين ومن في حكمهم.

كل هذا الضغط قاد إلى التفكير بالهجرة إلى جار شمالي، لطالما تحدثت قيادته ولو ظاهرياً عن تعاطف وتقدير للسوريين الأحرار ومأساتهم والرغبة في مساعدتهم فيما آلت إليه أمورهم من نتائج تراجيدية مأساوية.

لم يكن الخروج من المعابر الرسمية متاحاً بسبب قوانين الجار وربما تفاهماته والتزاماته الدولية، على الرغم عن الحديث عن اللاجئين وضرورة مد يد العون لهم للإقامة والعمل والبيئة الآمنة.

اتصلنا بأحد المهربين من تجار البشر واضطررنا للرضوخ لمطالبه بدفع مبلغ 500 دولار عن كل شخص مقابل الدلالة على الطريق المؤدي إلى أقرب مدينة تركية، وحدد لنا موعداً، وبالفعل قسمونا على ثلاث مجموعات تتقدم المجموعات ثلاثة من الفتية من ذوي التربية المنزلية الضحلة بمعدل دليل لكل مجموعة.

مشينا خلسة وبسرعة مترافقة مع حبس الأنفاس بمحاذاة “الجدار الحدودي” عند الجانب السوري ولمسافة 5 كيلو مترات تقريباً، ثم طلب منا أن نعتلي الجدار الفاصل والقفز إلى الجانب التركي من الحدود، وفعلاً تم القفز من على السور لثلاثين من الباحثين عن الرزق والأمان، مع ثلاثة دلالين انتدبهم المهرب لمرافقة المجموعات.

نزلنا من على الجدار وقطعنا الطريق المحاذي للسور والمخصص لدوريات الحرس وانحدرنا باتجاه وادي ضيق، وما إن قطعنا 100 متر حتى كانت الجندرما في المكان، وكأنهم في الانتظار فانهالوا علينا ضرباً وتوبيخاً بأيديهم وأعقاب أسلحتهم ولم تسلم النساء من كلامهم البذيء.

وضعونا صفاً واحداً على جانب الجدار وطلبوا منا أن ننظر إلى السور وأن لا ننظر إلى الخلف، ثم قام أحدهم بإطلاق وابل من الأعيرة النارية وفوق رؤوسنا مباشرة، ثم ساقونا برتل أحادي باتجاه النقطة العسكرية، لقد كانوا كالذئاب المسعورة وطيلة الطريق لم يتوقفوا عن الضرب والشتم والإهانة.

وبعد وصولنا إلى النقطة جردونا من الأجهزة الخليوية وكافة الأمتعة البسيطة المرافقة وأتلفوا البطاريات والشرائح وكروت الذاكرة، ثم وضعونا في مهجع جماعي للرجال والنساء دون ماء أو طعام وفي الصباح تم نقلنا إلى معبر باب الهوى حيث تم رمينا خارج الحدود.

علينا ألا نعتب على الجندرما التركية فهم ينفذون قوانينهم ويقومون بواجبهم في حماية أرضهم، ونحن من اقتحم عليهم حرمة حدودهم بمسالك غير شرعية، لكن العتب على كل الدنيا وعلى كل منظوماتها الحاكمة التي لا تقيم وزناً لعدالة أو قيم أخلاقية وكل ما يحكم تصرفاتها هو السيطرة والنفوذ ومن يحقق لها أهدافها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل