إيران على طاولة التفاوض الأميركية الروسية

جمعة الحمود10 يوليو 2018آخر تحديث :
إيران على طاولة التفاوض الأميركية الروسية

بعيداً عن كون إيران قوة إقليمية تستطيع ممارسة نفوذها في كل المنطقة، فإنها تجد نفسها اليوم أسير بازارين “بازار طهران، وبازار دمشق”، وربما يجد النظام الايراني لنفسه مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الداخلية في حال ارتضى التصالح مع أميركا، بقبول شروطها من خلال تجديد الاتفاق النووي الايراني الملغى لكن من الصعب عليه الخروج من البازار السوري، بغياب القرار بالانسحاب من هذا البلد.

تجار بازار طهران قوة اقتصادية كبيرة، فانقلابهم على نظام الشاه -الذي عبر عنه الإضراب الأخير- وأسقط النظام الامبراطوري في العام 1979، ما زال ماثلاً للعيان، فالنظام الايراني لم يعد لديه القدرة على تثبيت العملة الايرانية التي وصلت قيمتها إلى الحضيض، وبات غير قادر على حماية المصالح الاقتصادية لمن لعبوا دوراً في دعمه وفضلوه على حكم الشاه، يضاف إلى ذلك انتشار الفقر والبطالة والبؤس، فشل لا يمكن تغطيته بالانتصارات على السوريين والعراقيين واليمنيين وتدمير بلدانهم عبر المرتزقة، الأمر الذي أدى الى استنزاف عشرات المليارات بينما البلاد تغرق بمستنقع الفقر والعَوز.

أما البازار السوري الذي باتت ايران أسيرة له، واعتقدت أنه سيكون سهلاً عليها التحكم به وايجاد مكان للعبة المساومات والابتزاز، هو اللآن في عهدة الدول العظمى التي ترفض استمرار ايران في سوريا، والطرف الوحيد الذي يحتاج طهران، هو النظام الأقلوي الذي يدرك مدى الارتباط العضوي بين إيران وشخص بشار الأسد، والآن وفي ظل تداخل المصالح الدولية “تناقضاً وتقاطعاً” أصبح البازار السوري ضيقاً في وجه طهران التي تحاول إيجاد مكان لها في ظل صفقة كبيرة في سوريا يحدد إطارها “الأميركي والروسي والاسرائيلي”.

هذا الواقع يفرض على حكام طهران التفكير بتحصين إيران من الداخل لعدم الوقوع في المحظور، فكلفة دخول البازار السوري بعد اليوم صارت أكبر بكثير من كلفة استرضاء تجار بازار طهران والخروج من المأزق الاقتصادي الداخلي الذي تسببت به سياسة إيران العدوانية والرعناء مع دول الجوار.

النظام السوري أعطى إيران شرعية الوجود، لكن إلى أيّ حد تستطيع طهران الاعتماد على بشار الأسد، فضلاً عن ميليشياتها المذهبية كورقة للبقاء، فكل ذلك لن يكون له معنى في حال وجد الأسد نفسه في صفقة البيع والشراء العالمية، في حال أراد البقاء في حكم دمشق ، وهو على يقين أن الحكم الذي ورثه عن أبيه مرتبط باسرائيل قبل أي شيء آخر، “إسرائيل” الحاضرة في موسكو يوم 11 يوليو الجاري لتضع بوتين بصورة مطالبها في القمة التي ستجمعه مع ترامب في هلنسكي 16 يوليو من هذا الشهر.

وبكل تأكيد لن يغيب نتنياهو عن اجتماع حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي سيجمع ترامب مع حلفائه الأوروبيين في الفترة بين 11 و 13 من هذا الشهر، فلا شك بأن التشاور بشأن الصفقة السورية بين أمريكا وروسيا سيكون حاضراً.

كلّ من ترامب وبوتين يجهّز ملفاته ومطالبه لانجاز صفقة المصالح العليا لبلديهما في المنطقة استعداداً لمرحلة ترتيب الوضع النهائي الذي يسبق استثمار الإنجازات على الأرض، روسيا ستحل محل ايران في سوريا بعد ضمان عودة النظام إلى الجنوب السوري بشكل كامل، لكن ذلك يتضمن سحب الميليشيات الخاضعة لإيران من الحدود الجنوبية لسوريا، فالاتفاق حول هذه المنطقة موجود بالفعل وقد تم تثبيته في القرارات التي اتخذها بوتين وترامب في الاجتماعات التي عقدت في هامبورغ العام الماضي -شهر يونيو- وهذا الاتفاق سانده الأردن، وبالنتيجة لن تكون هناك قوات غير سورية في هذه المنطقة، فقد كانت موسكو العامل الرئيسي في مساعدة النظام على استعادة الجنوب، وإيصال علاقاته مع إيران إلى الحد الأدنى.

موسكو تتجه الى مقايضة الوجود الأمريكي “شرقي سوريا” بالوجود الايراني، لطالما تحدث ترامب عن فكرة الانسحاب من سوريا، لكن واشنطن تريد بقاء قاعدة التنف عند زاوية الحدود “السورية، الأردنية، العراقية” من أجل مراقبة إخراج إيران من سوريا، إيران لن تستسلم بسهولة وستحاول عرقلة أي صفقة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة لإخراجها من سوريا كذلك بقايا النظام السوري الذي لم يعد قادراً على العيش والاستمرار دون حروب بعد اليوم، وذلك لإشغال جميع الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في الصراع السوري خاصة حاضنته الشعبية من المؤيدين والميليشيات المرتزقة والقوات الروسية التي تحارب معه، لأن نهاية الحرب تعني البدء بتقاسم الحصص وتوزيع الأجور والأرباح، فهناك قوتان “روسيا، إيران ” تقولان على الملأ بأنه لولاهما لسقط الأسد، فكيف يستطيع النظام أن يرضي من يقول له بأنه وهبه الحياة من جديد؟ ناهيك أن الخلافات دائماً تبدأ عند توزيع المسروقات.

نظام بشار الأسد يدرك هذا الأمر جيداً، وبالتالي ليس من مصلحته أن تستقر الأمور على الأرض لمن ينازعه على الحكم من هنا يبرز التحدي الكبير لروسيا، ومدى قدرتها على تنفيذ متطلبات مايقع على عاتقها في أي صفقة يمكن التوصل اليها مع أميركا والأوروبيين في سوريا. فإذا ما تم الاتفاق بين روسيا وأمريكا و”اسرائيل” بدعم من الدول الأوروبية، خاصة مجموعة الدول الصناعية التي تريد روسيا الانضمام اليها، ورفع العقوبات الأمريكية عن موسكو، فإن ذلك سيشجع روسيا على تلبية المطالب الأمريكية والغربية التى تسعى بدورها لحماية مصالحها ومصالح اسرائيل، ويحفزها على لعب دور أساسي بإخراج الميليشيات الايرانية من سوريا وفرض الاستقرار الذي تسعى اليه من أجل استثمار ما أنجزته على الأرض، لتجنب الدخول بمرحلة الخسارة على الطريقة الأفغانية، فروسيا تدرك أكثر من غيرها أن تلك الدول لن ترضى أن تخرج خاسرة في المنطقة عامة ومن ضمنها سوريا.

جشع وطمع كل الأطراف التي تريد أن تفرض نفسها على طاولة “صفقة بازار سوريا” يجعل الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات والمفاجآت غير المتوقعة.

مازال هؤلاء اللاعبون يتعمدون إيصال الرسائل السياسية لبعضهم بدماء السوريين الأبرياء، انتقاماً منهم على ثورتهم ضد نظام تعتبره الأطراف الدولية والإقليمية جزءً من منظومة الحكم العالمي التي لا ترضى بسقوطه على يد الثورة والثوار، فيكون ذلك سابقة خطيرة في المنطقة تهدد أنظمة الحكم التي تشكلت على أيديهم وتدين بالتبعية لهم ولمصالحهم، وتغيّر وجه المنطقة بشكل كبير لا يمكن تداركه.
لكن صمود الشعب السوري أمام إجرام النظام ودمويته التي فاقت كل تصور، والصمود أمام آلة القتل الروسية والايرانية وكل الدول التي ساهمت بالحرب على الثورة السورية وضعت دول العالم أمام معادلة ثابتة لايمكن تخطيها وخيارين لا ثالث لهما؛ الأول وهو الأرجح: إما أن يتم ترحيل ايران والأسد على أيديهم، فلا يمكن لأحد أن يستفيد من سوريا ما دام بشار القاتل في السلطة، والمهجرون في المنفى. أما الثاني: رفع الغطاء عن هذا النظام وأزلامه، فالشعب السوري رغم كل ماحصل له قادر على إسقاطه وتحقيق أهداف ثورته التي خرج من أجلها.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل