* ماجد عبد الهادي
تتخلى زينب، العجوز الكفيفة الفقيرة، عن قرطٍ ذهبي، هو كل ما تملك من حطام الدنيا، وتتبرّع به لصندوق “تحيا مصر”، فيكافئها النظام الحاكم بلقاء تكريمي مع رئيس البلاد، عبد الفتاح السيسي، ويُقبُّل هذا الأخير يدها ورأسها، ثم تأخذه “حِنِيَّتُه” الإنسانية، فيتعهد بإيفادها لتؤدي فريضة الحج على حسابه، ويقول لها إنه سيأمر بالاحتفاظ بتبرّعها في المتحف المصري، بعد نقش اسمها عليه.
يُعاد إنتاج الحدث، لاحقاً، على شكل إعلان تلفزيوني دعائي، لا يَملُّ بعض فضائيات رجال الأعمال، وقنوات التلفزة الرسمية، من تكراره؛ امرأة بسيطة في “الغيط” بالأسود والأبيض، ووحدَهُ قرطها الذهبي يلمع تحت أذنيها بلونه الأصفر الفاقع، فيبدو نشازاً خارجاً على مألوف الإنسان في هذا المكان. قبل أن تنزعه، وتتحوّل الشاشة من بثِّ مشهدٍ تمثيلي باهت، إلى نقل صورة حقيقية ملّونة، وتفيض بحبور الرئيس.
مصر في حاجة إلى آخر قرش في جيوبكم، تقول تلفزة تحالف العسكر ومافيا الاقتصاد الحاكم، إذن، لفقراء البلاد، بلغةٍ دعائيةٍ سطحية، وتتجاهل سؤال بديهياً عمّن تكون مصر هذه التي يتسوّل الإعلام المصري باسمها، إن لم تكن مجموع هؤلاء أنفسهم، بفقرهم وبؤسهم الذي تفاقم، ومازال، على الرغم من بضع عشرات من مليارات الدولارات الخليجية، تدفقت على نظام السيسي، منذ انقلابه على الديمقراطية، وما من أحدٍ يعرف، تحديداً، كيف تبخرت، وأين تسربت.
مثل ذلك أيضاً، تتجاهل “الأذرع الإعلامية” لنظام الحكم، وفضائيات رجال الأعمال منها خصوصاً، سؤالاً بديهياً آخر، عمن يكون المصريون القادرون على التبرع لصندوق “تحيا مصر”، إن لم يكونوا مالكيها أنفسهم، ونجوم شاشاتها الذين تاجروا معاً بدم الناس وعذاباتهم، واستثمروا ثورة 25 يناير 2011، ليقيموا بفضلها، ثم على أنقاضها، امبراطوريات تلفزيونية تدر عليهم ملايين يصعب عدّها.
وليست حكاية العجوز والقرط الذهبي، في واقع الحال، إلا نقطة في بحر التسوّل الذي تتولاه فضائيات القاهرة، لحساب نظام السيسي. ثمّة، باختصار، حملات جبايةٍ مالية، تتصاعد، على شاشات التلفزة هناك، كلما تحدّث السيسي عن الظروف الاقتصادية الصعبة، وقال عبارة من نمط “صبَّح على مصر بجنيه”، وهي حملات تصير أكثر إثارة للاشمئزاز، مع قدوم شهر رمضان الفضيل، لأن أصحابها يتعامون عن رؤية النتائج الكارثية لسياسة النهب والفساد، على حياة أكثرية المصريين، ويفترضون بأنفسهم القدرة على دفع المواطن الفقير الذي، بالكاد، يجد قوت يومه، إلى أن يتجاهل واقعه، ويقف حائراً أمام الصناديق والجمعيات والمستشفيات التي عليه أن يتبرّع لها بثمن رغيف خبز وصحن فول هما، على الأغلب، كل إفطاره بعد صيام النهار.
وحيث يتزامن مُستَهَل شهر رمضان، وما يرافقه من إعلانات تسوّل على القنوات الفضائية المصرية، مع ذكرى مرور سنتين على اعتلاء السيسي منصب الرئاسة، فإن أحداً لا يُطلّ من شاشاتها، ليتساءل، على الأقل، عن مصير وعد الانقلاب بمصر أخرى مختلفة، وكان من المفترض أن نراها الآن قد بدأت تتحقّق واقعاً ملموساً، لا على مستوى معيشة الناس فحسب، وإنما على مستوياتٍ أخرى كثيرة، أبرزها ادّعاءات مواجهة الإرهاب الذي كان محتملاً، فصار حقيقةً تستشري من سيناء إلى القاهرة، ومزاعم إحياء دور مصر الإقليمي الذي كان يعاني الضعف، فبات يستجدي أنفاس حياته باسترضاء حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، على حساب الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية.
في أقل من سنتين، استطاع السيسي أن يجعل نظام حكمه عنوان تسوّل، لا مالياً فحسب، وإنما سياسياً أيضاً. حاول ادعاء السير على خطى جمال عبد الناصر، فلم يستطع إلا في عدائه الإخوان المسلمين، ثم سعى إلى تقليد أنور السادات، فأخفق إلا في ما تعلق بخدمة إسرائيل. وهكذا كان أن تعرَّف المصريون على نسخةٍ كاريكاتورية لحسني مبارك، لكن، مع فارق مهم يتلخص في أن سلوك هذا الأخير كان أقلّ مهانةً لمصر ومكانتها، بما لا يقاس.
مصر في حاجة إلى آخر قرش في جيوبكم، تقول تلفزة تحالف العسكر ومافيا الاقتصاد الحاكم، إذن، لفقراء البلاد، بلغةٍ دعائيةٍ سطحية، وتتجاهل سؤال بديهياً عمّن تكون مصر هذه التي يتسوّل الإعلام المصري باسمها، إن لم تكن مجموع هؤلاء أنفسهم، بفقرهم وبؤسهم الذي تفاقم، ومازال، على الرغم من بضع عشرات من مليارات الدولارات الخليجية، تدفقت على نظام السيسي، منذ انقلابه على الديمقراطية، وما من أحدٍ يعرف، تحديداً، كيف تبخرت، وأين تسربت.
مثل ذلك أيضاً، تتجاهل “الأذرع الإعلامية” لنظام الحكم، وفضائيات رجال الأعمال منها خصوصاً، سؤالاً بديهياً آخر، عمن يكون المصريون القادرون على التبرع لصندوق “تحيا مصر”، إن لم يكونوا مالكيها أنفسهم، ونجوم شاشاتها الذين تاجروا معاً بدم الناس وعذاباتهم، واستثمروا ثورة 25 يناير 2011، ليقيموا بفضلها، ثم على أنقاضها، امبراطوريات تلفزيونية تدر عليهم ملايين يصعب عدّها.
وليست حكاية العجوز والقرط الذهبي، في واقع الحال، إلا نقطة في بحر التسوّل الذي تتولاه فضائيات القاهرة، لحساب نظام السيسي. ثمّة، باختصار، حملات جبايةٍ مالية، تتصاعد، على شاشات التلفزة هناك، كلما تحدّث السيسي عن الظروف الاقتصادية الصعبة، وقال عبارة من نمط “صبَّح على مصر بجنيه”، وهي حملات تصير أكثر إثارة للاشمئزاز، مع قدوم شهر رمضان الفضيل، لأن أصحابها يتعامون عن رؤية النتائج الكارثية لسياسة النهب والفساد، على حياة أكثرية المصريين، ويفترضون بأنفسهم القدرة على دفع المواطن الفقير الذي، بالكاد، يجد قوت يومه، إلى أن يتجاهل واقعه، ويقف حائراً أمام الصناديق والجمعيات والمستشفيات التي عليه أن يتبرّع لها بثمن رغيف خبز وصحن فول هما، على الأغلب، كل إفطاره بعد صيام النهار.
وحيث يتزامن مُستَهَل شهر رمضان، وما يرافقه من إعلانات تسوّل على القنوات الفضائية المصرية، مع ذكرى مرور سنتين على اعتلاء السيسي منصب الرئاسة، فإن أحداً لا يُطلّ من شاشاتها، ليتساءل، على الأقل، عن مصير وعد الانقلاب بمصر أخرى مختلفة، وكان من المفترض أن نراها الآن قد بدأت تتحقّق واقعاً ملموساً، لا على مستوى معيشة الناس فحسب، وإنما على مستوياتٍ أخرى كثيرة، أبرزها ادّعاءات مواجهة الإرهاب الذي كان محتملاً، فصار حقيقةً تستشري من سيناء إلى القاهرة، ومزاعم إحياء دور مصر الإقليمي الذي كان يعاني الضعف، فبات يستجدي أنفاس حياته باسترضاء حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، على حساب الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية.
في أقل من سنتين، استطاع السيسي أن يجعل نظام حكمه عنوان تسوّل، لا مالياً فحسب، وإنما سياسياً أيضاً. حاول ادعاء السير على خطى جمال عبد الناصر، فلم يستطع إلا في عدائه الإخوان المسلمين، ثم سعى إلى تقليد أنور السادات، فأخفق إلا في ما تعلق بخدمة إسرائيل. وهكذا كان أن تعرَّف المصريون على نسخةٍ كاريكاتورية لحسني مبارك، لكن، مع فارق مهم يتلخص في أن سلوك هذا الأخير كان أقلّ مهانةً لمصر ومكانتها، بما لا يقاس.
* نقلاً عن “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة