ما يجري في عالم الرياضة وكواليسها، وخصوصا كرة القدم، يبطل المقولات التي تفصل بين عالم السياسة وعالم الرياضة، أو بالأحرى تحاول نزع السياسة عن الرياضة، إذ أثبت مونديال روسيا لكرة القدم أن النظام البوتيني حاول استغلال هذا الحدث الكروي العالمي وتوظيفه سياسياً، وفك عزلته السياسية الدولية، إذ دعا الرئيس فلاديمير بوتين، منذ اليوم الأول للمونديال، مشجعي منتخبات بلادهم إلى “التمتع بأجواء هذا العيد الرائع لكرة القدم، والتمتع أيضاً بإقامتهم في روسيا المفتوحة، وبضيافتها وترحيبها”، محاولاً بذلك التغطية على فورة مشجعي منتخبه العنصرية والقومية، إذ ردّد هؤلاء شعارات تشبه شعارت النازيين الجدد في بعض المباريات، وأصدر بعضهم أصواتاً تحاكي أصوات القردة، ترحيباً باللاعبين ذوي البشرة السوداء، فضلاً عن خطاب الكراهية الذي لم يخفه بعض ساسة النظام البوتيني ومسؤوليه، على الرغم من محاولة أجهزة هذا النظام كبته، إذ طالبت تامارا بليتينوفا، رئيسة لجنة شؤون الأسرة والمرأة والطفل في البرلمان الروسي، النساء الروسيات بعدم الارتباط بالزائرين الأجانب، خصوصاً الذين ينتمون إلى عرق مختلف، بل وذهب برلماني روسي آخر إلى القول إن “المشجعين الأجانب قد يجلبون الفيروسات إلى كأس العالم ويصيبون الروس”.
وكان طبيعيا أن يشهد حفل افتتاح المونديال مقاطعة شبه كاملة من معظم رؤساء وقادة دول العالم وحكوماته، وليس خافياً أن سبب المقاطعة هو السلوك البلطجي الذي مارسه النظام البوتيني في كل من سورية وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم والشيشان وسواها، والذي طاول بريطانيا بتسميم الجاسوس الروسي سكريبال بغاز السارين. والأهم أن مباريات المونديال تجري أحداثها على وقع قصف المستشفيات والمدارس والأسواق، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها في سورية، في الغارات الجوية الهمجية لمقاتلات النظام البوتيني وقاذفاته، ضد السكان المدنيين في درعا وفي معظم بلدات الجنوب السوري وقراه.
ولعل اختيار روسيا لتنظيم المونديال كشف حجم الزيف والرياء الذي يمارسه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، المثقل بفضائح الفساد، إذ أراد المؤسسون الأوائل لكأس العالم لكرة القدم أن تشكل رسالة سلام ووئام بين شعوب العالم، وليس ورقة بيد نظام مارق وقاتل، يوظفها لتبييض صفحته السوداء القاتمة الملطخة بدماء الشيشانيين والأوكرانيين وسواهم، ومستمر في ارتكاب المجازر والجرائم في حق السوريين، بعد أن أوغل في الدم السوري منذ ثلاث سنوات، كي ينقذ رصيفه نظام الأسد الإجرامي من السقوط، ويثبت قواعده العسكرية في سورية، كي يوسع نفوذه في المنطقة.
ووصل التوظيف السياسي لهذا الحدث الكروي العالمي إلى حدّ استغلال اللاعب المصري محمد صلاح، في استدعاء المجرم رئيس الشيشان التابع لموسكو، رمضان قديروف، هذا اللاعب النجم، كي يلتقط معه صورة أمام كاميرات التلفزة والحشود التي استدعاها، علّه يجمّل بها صفحته الملطخة بدماء أطفال الشيشان ورجالها ونسائها. ولذلك ليس مصادفة أن يدفع نظام بوتين المنتخب المصري كي يجري تدريباته في غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان الجنوبية، وليس خافياً على أحد أن بوتين نفسه يعتبر قديروف نموذجاً للقتلة الأوفياء له ولنظامه.
وتشكل استضافة روسيا مونديال هذا العام مناسبة لإلقاء الضوء على فساد هيئة التحكيم الدولية، والفساد المقابل في النظام البوتيني، والذي يدلّل عليه المبالغ الكبيرة جدا التي صرفها بوتين على تنظيم المونديال، إذ بلغت تكلفة بناء الملاعب والبنى التحتية وترميمها 11 مليار دولار، وتفيد تقارير موثوقة بأن من حظوا بالحصة الكبرى من المبلغ أصدقاء بويتن، ومنهم أراس أغالاروف، الشريك السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ أوكلت إلى شركته مهمة بناء ملعب جديد في كالينينغراد، بـ 280 مليون دولار.
عذراً التعليقات مغلقة