لم يكن تعاطي أمريكا وإسرائيل مع القضية السورية واضحاً وجلياً كما هو اليوم، كما أنه لم يكن غامضاً ومستتراً إلى درجة كبيرة تحتاج معها إلى عبقرية خارقة لفهمه وفهم الطريقة التي تنظر فيها كلا الدولتين إلى دول الجوار الإسرائيلي وإلى المنظومة العربية بشكل عام.
لطالما كان أمن ومصالح اسرائيل في مقدمة الأهداف ومعرفة ذلك ليست عبقرية فريدة فهو واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار بصرف النظر عن مصالح الآخرين أو تطلعات شعوبهم، ومن الأشياء التي غابت طوعاً أو كرهاً بحسن نية أو سوئها عن كل المدعين قيادة الدفة السياسية والعسكرية للثورة السورية هذه الحقيقة التي لا تنطلي إلا على متآمر أو مغفل في أفضل الحالات.
منذ بدء تحرش النظام وحلفائه بالمنطقة الجنوبية وإعلان النوايا لإخضاعها حرباً أو استسلاماً، بدأت تتكشف حقيقة مدى جدية أمريكا في الرغبة في الحفاظ على خفض التصعيد في تلك المنطقة من خلال تفاهمات مبهمة بين كل من أمريكا وروسيا والأردن.
ثلاثة مواقف متناقضة ميزت الموقف الأمريكي خلال فترة قصيرة كان يحضر النظام نفسه خلالها للانقضاض على كل من درعا والقنيطرة اللتان تمثلان المنطقة الجنوبية الخاضعة التفاهمات الدولية، والغائب الأبرز فيها هم السوريون أنفسهم أصحاب الأرض والديار بشقيها النظامي والمعارض.
بدأت أمريكا بطلب خجول للروس بالضغط على النظام بعدم التصعيد في المنطقة، ثم بنصيحة للمعارضة المسلحة بضرورة إجراء تفاهمات واتفاقات تضمن سلامة السكان، وثم توضيح ألا يتوقع المعارضون أي مساعدة عسكرية في حال تعرضوا لهجوم من قبل النظام وحلفائه.
لم يكن ادعاء أمريكا صداقتها للمعارضة السورية في حال من الأحوال خارج حساب المصلحة الإسرائيلية والنظرة الإستراتيجية الأمريكية لكامل الإقليم، لكن ما يلفت النظر ويدعو إلى الشفقة حقاً ثلة ممن اعتقدوا أنهم قادة مؤتمنون على أعظم ثورة عرفها التاريخ، ثم لم يكونوا أكثر من بيادق بائسة رهنت نفسها وقرارها لعدو متربص شهد التاريخ والوقائع الحسية أننا في آخر حساباته ولا يعطي لنا شيئاً يضر بمصالح حليفه الدائم والوحيد في المنطقة، وأن هذا العدو يجيد بحكم القوة والنفوذ التي يملكها ما يكفي من الأوراق لإجراء موازنات استراتيجية بين مصالحه وحاجاته وبين فتات يقدمه لهذا الطرف أو ذاك للتحكم بقراره وحدود تطلعاته.
إن ما يجري في درعا اليوم؛ هو نتيجة رهان خاسر على حصان جامح لسنا ولا كل دول الإقليم مجتمعة في وضعها الراهن بالقوة ولا المكانة الاستراتيجية لكبحه أو حتى الحظوة بصداقة عادلة معه على أساس تبادل المنفعة والمصلحة المتبادلة.
لقد ترك القوم في درعا لمصيرهم من مقاتلين صادقين ومصدومين من مآلات الأمور ومدنيين هاجسهم الفرار من ملاذ إلى آخر يبحثون فيه عن ضالتهم في الأمن والسلامة وبعيداً عن حدود أولي القربى الذين أوصدوها دونهم.
لقد آن الأوان وبشكل عاجل لإجراء مراجعات أفقية وعمودية في قيادة الثورة وفصائلها السياسية والعسكرية، ومحاولة إيجاد ميثاق شرف ثوري يحدد الصديق والعدو بشكل مهني وعلى أساس علمي مدروس ترضى عنه جماهير الثورة ومريديها بعيداً عن المصالح الشخصية والولاءات المرحلية ثم القفز لوضع برنامج لأولويات العمل الثوري بشقيه السياسي والعسكري.
عذراً التعليقات مغلقة