لا يخفى على أحد ما يجري في محافظة درعا منذ أيام، حيث تحركت جحافل نظام الأسد وطائراته الحربية بدعم روسي، من أجل السيطرة على المحافظة التي أطلقت الشرارة الأولى للثورة، والتي تعتبر آخر معاقل المعارضة في وسط وجنوب سوريا.
تحرك عنوانه الرئيسي السيطرة على المحافظة مهما كلف الأمر من ثمن، طائرات القتلة وصواريخهم تدك قرى وبلدات المحافظة منذ أيام، ما تسبب بمقتل وجرح العشرات من المدنيين، إضافة لتهجير عشرات آلاف العائلات في البراري والقفار.
صور المدنيين الفارين من الموت بالقرب من الحدود الأردنية المغلقة في وجوههم، يتفطر لها القلب، فيما تقف جوارح أي شخص يحمل القيم الإنسانية عن وصف أشلاء الأطفال التي تناثرت من عربة يجرها جرار زراعي، حاول صاحبه الفرار بأطفاله من الموت، لكن صواريخ طائرة روسية كانت أقرب لهم فأردتهم قتلى.
هجوم نظام الأسد الحالي على درعا، والذي سبقه سيناريوهات مشابهة في الغوطة وريف حمص وحلب، يأتي في ظل تحركات خجولة من الهيئات السياسية التي أفرزتها الثورة السورية، كـ المجلس الوطني والائتلاف الوطني وهيئة التفاوض، ومساعٍ محدودة للناشطين المحليين، يحاولون تسليط الضوء على الجريمة التي ترتكب بصمت هناك في الجنوب السوري.
قلة التحركات من هيئات المعارضة السياسية ليست العيب الوحيد الذي نأخذه عليها، بالرغم من كل ما تسببت به من أخطاء البعض منها يرقى لكونه جريمة بحق الشعب السوري، إنما ما يعيب تلك التحركات أنها تتجه إلى دول، قامت ببيعنا في بازارات السياسة التي كنا ساحة لتصفية حساباتها فقط.
سبع سنوات مرت ولم نتعلم من الدرس، كيف لنا مناشدة من باع الغوطة مقابل الحصول على بعض المساحات في شمال سوريا؟ كيف لنا مناشدة من باع أراضي سوريا ومئات الآلاف من البشر من أجل أن يُطلق سراح شخص من العائلة الملكية لدولة تم اختطافه في دولة أخرى؟ كيف نناشد من كان يعتبر درعا منطقة نفوذ له ويدعم فصائلها، وهو الذي أعطى الضوء الأخضر للأسد والروس من أجل اقتحامها؟
قصة معارضتنا وحلفاؤها، لم أجد ما يشبهها إلا قصة مروية في التراث العربي تسمى قصة طير ابن نبهان، وابن نبهان رجل اختلفت المرويات في مكان وجوده، منها ما قال إنه من الخليج العربي ومنهم من قال إنه من سكان وادي الفرات.
في يوم من الأيام، أراد أبن نبهان مجاراة أقرانه في البادية التي كان الصيد “القنيص” بالطيور الجارحة من ثقافتها، فقام بشراء صقر وراح يؤدبه منذ صغره، حتى حسنت طباعه، ودربه وعلمه فترة من الزمن، حتى اكتمل من جميع النواحي، الجسم والريش والقدرة على الصيد والتمكن من المناورة، وتحاشي الجوارح التي تهدده.
صار الطير جاهزاً، ولا يخشى عليه من شيء، فذهب ابن نبهان ليصطاد به شيئاً يأكله ويفرح بنتائج تدريبه، ويثبت لنفسه أن ما أولاه له من العناية جاء بنتيجة وفائدة.
في ميدان الصيد أطلق ابن نبهان صقره أمام الفرائس، فطار في السماء وصال وجال واختفى عن الأنظار ثم حام يمنة ويسرة وأقبل وأدبر وارتفع ونزل، ولم يشكّ صاحبه أنه آت بالعجائب من الصيد الوافر المنوع من الحباري والحجل، بعد اختفاء الطائر عن الأنظار وتأخره في الحوم أصاب صاحبه بالقلق، لكن الغائب ليس عليه لوم..
ما هي إلا لحظات حتى جاء صقر ابن نبهان محلقاً يحمل فريسته، كانت عبارة عن ثعبان اصطاده في غفلة من أمره وجاء يحمله، ثم ألقى بها فوق صاحبه ابن نبهان ظناً منه أنه بهذا الفعل أحسن صنعاً لمربيه، وأنه جاءه بخير عميم وفائدة كبيرة، ربما هو نقلها من أرضها ملفوفة مطوية تشبه الطائر، أو لأنه لم يجد شيئاً يصيده وخشي أن يرجع خالي الوفاض صفر اليدين، وما عرف أنه جاء بالسم والهلاك لصاحبه.
Sorry Comments are closed