طالب الدغيم
مع اشتداد لهيب الحرب السورية، قررت الكثير من هامات ورجالات الاقتصاد السورية مغادرة البلاد ونقل رؤوس أموالها إلى الخارج واستثمارها في دول الجوار أو في غيرها، حتى قُدر مجموع من سُحب من البنوك السورية مع نهاية عام 2012 بنحو 10 مليارات دولار أمريكي، ففرغت الساحة الداخلية رجالات أعمال جدد يمكن أن نصفهم بـ “النجوم الصغار”، الذين شدوا من عضد نظام الأسد ودعموا معركته في البقاء. ومن بين هؤلاء رجل الأعمال سامر الفوز، الذي أسس في فترة الأزمة، إمبراطورية مالية، امتدت شراكاتها وتشابكت في دول وجماعات وشخصيات في أكثر من ثلاثين دولة في العالم.
ذاع صيت سامر الفوز بعد أن كشفت عنه وثائق “براديز” الصادرة عن شبكة الصحافيين الدوليين، إثر ثبوت أنباء حول الصفقة الأخيرة التي عقدها بشرائه حصة الأمير السعودي الوليد بن طلال في فندق “فورسيزونز” بدمشق بمبلغ قُدر بنحو 115 مليون دولار، وهو ما جرَّ سخط الشارع السوري، وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بسبب التكلفة المالية المسلوبة من دماء وأقوات السوريين أصلًا. فمن هو سامر الفوز؟ وما قصة الامبراطورية المالية التي أقامها في ربوع المزرعة الأسدية؟
سامر الفوز وأصول إمبراطورتيه المالية
سامر زهير فوز البالغ من العمر 44 عاماً، ينحدر من مدينة اللاذقية الساحلية السورية، وهو ابن زهير الفوز أحد الأعضاء السُنة السابقين في حزب البعث والمقربين من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد خلال السبعينات. فقد أسس والده شركة الفوز القابضة عام 1988م، وبمرور الأيام نسجت شركته علاقات استراتيجية وشبكة واسعة في أكثر من 30 بلدًا، وتصدر اسم سامر كوريث شرعي لإمبراطورية والده سيما مطلع الأزمة السورية عام 2011.
لم يمنع انتماء فوز إلى الجماعة السنية من إقامة صلات وثيقة جداً مع النظام الأسدي، ما أظهر مرة أخرى تعدد الاستراتيجيات والأدوات التي يتبعها الأخير لتشكيل قاعدة شعبية متنوعة من خلال الزبائنية والطائفية السلطوية الداعمة له. ولا يخفى على من تتبع سيرة سامر الفوز أن اسمه بورصة التداول في قطاع الأعمال والوسائل الإعلامية، بعد جريمة قتل رجل الأعمال المصري المولد الأوكراني الجنسية، رمزي متّى، بعد أن اتفقا على تصدير صفقة حبوب من أوكرانيا ب 14 مليون دولار، لكن متّى المطلوب للإنتربول الدولي بتهم الاختلاس والتحايل، حاول النصب على فوز الذي لم يتسلم شحنة الحبوب، فاتفق الفوز مع متعاون ألماني اسمه كيانوش على استدراج متّى إلى إسطنبول، بقصد الحصول على قرض بقيمة 5 ملايين يورو من بنك تركي، وقاموا بتنفيذ الجريمة عام 2013، وفقاً لما ذكرته صحيفة ملييت التركية، قبل أن يُثير خروجه الشكوك حول علاقاته المشبوهة بالمخابرات العالمية، وعاد بطائرته إلى دمشق. الجدل الذي أثير في الأوساط القانونية والأمنية السورية والتركية حول كيفية خروج هذا الرجل من سجنه المؤبد!؟ وكيف يسافر لحضور محاكماته الدورية في تركيا بأوقاتها المحددة حسب ما تواردته وسائل إعلامية؟
رسمت جريمة الفوز في تركيا معالم مستقبل الفوز، ليغدو رجل الثقة والمهمات الصعبة بأعين الأسد ورموز نظامه الكبار، لذا تحول في غضون سنوات لأيقونة الاستثمار بتسهيلات من رأس النظام وحليفاه الرئيسيان فيه بشار وماهر الأسد. فبدأت الحكاية مع “قاتل” يُضاف إلى سجله باعتباره رئيساً لمجلس إدارة “مجموعة الفوز القابضة”، التي أُسست عام 1988، والرئيس التنفيذي لـ “مجموعة أمان القابضة”، التي تتفرع منها شركات “فوز للتجارة”، و”فوز التجارية”، و”المهيمن للنقل والمقاولات”، ورئيس “صروح الإعمار”، وشركة “أوف شور” في روسيا. واتجهت الفوز القابضة” لافتتاح استثمارات متنوعة في مجال استيراد وتصدير المواد الغذائية، قبل أن تتوكل بأعمال استثمارية تجارية وعقارية بمشاريع في تركيا وسورية والإمارات العربية المتحدة وإيطاليا، والاستثمار الإعلامي عبر مواقع إلكترونية وصحف وتمويل وسائل عدة في دمشق. كما أصبح الفوز شريكاً مؤسساً في شركة الحياة السهلة، ويمتلك 4 ملايين سهم نقدي في الشركة قيمتها 400 مليون ليرة سورية، بنسبة اكتتاب 40 %.
هكذا تراكمت قوة سامر الفوز، فأولاً، بدأ تجارة توريد القمح وصناعة معدات البناء، لتتوسع استثماراته بشكل أكبر شاملة خطوط طيران وتجارة السكر والكابلات الكهربائية وتجارة الأدوية، ومصانع المياه والقرى السياحية الدولية. بالإضافة لذلك، صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، على تأسيس شركة جديدة للفوز باسم “M.E.N. A” للسكر، وبلغ رأسمال الشركة، بحسب ما ذكره موقع الاقتصادي 25 مليار ليرة سورية (47 مليون دولار)، وأخذت بإنشاء مشروع معمل السكر بطاقة إنتاجية تصل إلى 3500 طن يومياً، ليصبح الفوز المتحكم الأول بإنتاج السكر السوري وتصديره.
في الآونة الأخيرة، تمكن الفوز من حيازة أصول وسندات ملكية لرجال أعمال سوريين عارضوا نظام الأسد مع انطلاق الثورة السورية، حيث جمّد النظام أملاكهم وعرضها في المزاد العلني، وكان فوز هو الوحيد القادر على حيازتها بالتعاون مع شركائه الإيرانيين (على سبيل المثال ما حصل مع رئيس غرفة صناعة دمشق السابق عماد غريواتي وشركة حديد حمشو وغيرهم).
وفضلاً على ذلك، أسس الفوز جمعية الفوز الخيرية، التي تنشط في اللاذقية وأريافها، وتخطط للتوسع نحو دمشق وريفها. وحينما سأل موقع “أرابيسك/ لندن” فوز عن أعماله الخيرية، قال: “هذا أقل شيء ممكن القيام به وهذا واجب علينا فهكذا تربينا”. بل وأضاف حينما سأله الموقع عمّا يمكن أن ينصح به رجال الأعمال الشباب، فقال: “أهم شيء هو الصدق وأن تحبوا بلادكم، فلبلدنا خير علينا جميعاً، كذلك الصبر والمثابرة وعدم الملل، فنتائج أعمالنا لا تظهر بسرعة وأهم شيء أن تؤمنوا بأنفسكم.
وكونها صاحبة النفوذ الأكبر في مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب، فقد نسج فوز علاقاته مع إيران وأصبح واجهتها في دمشق، وهو ما دلّ عليه مشروع “لاند مارك” خلف مشفى الرازي في دمشق الذي رست مناقصته عليه، وفي شرائه أراضي وعقارات لصالح إيرانيين، ومصادر ذكرت أن مدعي عام طهران عباس جعفري آبادي، أصدر مذكرة اعتقال دولية بحق فوز المتهم بالنصب والاحتيال على مجموعة شركات وجهات حكومية إيرانية بنحو نصف مليار دولار. ومع ذلك يقول نشطاء ومتابعون للوضع الاقتصادي السوري، إن سامر الفوز لم يختلف مع الإيرانيين بل مثّل ذراع إيران الاقتصادية الضاربة في سورية وهو مدعوم شخصياً من الحرس الثوري الإيراني، وقام بعقد عدة صفقات لمواد غذائية وسلع حيوية أخرى مع إيران وأدخلها إلى سورية. وتوكلت شركته بناء واستثمار عدد من المقاسم السكنية والتجارية في المنطقة التنظيمية في بساتين الرازي في دمشق، التي تشرف عليها إيران. ونتيجة ذلك، حصلت “مجموعة أمان” من “دمشق الشام القابضة” على حق تطوير العقارات بقيمة حوالي 312 مليون دولار كجزء من مشروع بساتين الرازي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وقد أوردت فايننشال تايمز رؤية المعارضة فيه: “يقول قادة المعارضة السورية أن سامر الفوز يقوم بتطوير علاقات مع إيران، حليفة نظام الأسد”. وأضافت: “يقول المراقبون في دمشق أنه يقترب الآن من رجال الأعمال في موسكو، في الوقت الذي تصعد فيه روسيا جهودها للاستثمار في سورية”.
لم يكتف الفوز بذلك، بل انتقل إلى مجال الإعلام ليصبح حوتاً إعلامياً في فترة وجيزة من الزمن، حيث أطلق قناة تحمل اسم “لنا”، وأتى الإعلان عنها عبر الممثل القريب من النظام باسم ياخور، عبر صفحته على فيسبوك، وذلك بنشره صورة تجمعه مع فوز في دبي، موضحاً أن المحطة “ستكون محطة تلفزيونية كبيرة، بنكهة سورية خالصة، وبكوادر تتحلى بالمهنية، لتكون أول خطوة على طريق إعادة فننا الأصيل، أي استثمار في الإعلام السوري الجديد”، حسب تصريحات ياخور.
الفوز وتبييض صفحة الأسد وبناء شراكاته الاخطبوطية
انتقلت استثمارات الفوز إلى خارج سورية، عبر مشاريع مجموعة الفوز القابضة في الاستثمار العقاري في سورية ودبي وأوروبا، بجانب معمل لتصنيع المياه المعدنية في مدينة أرزروم التركية، ومستودعات للتخزين بسعة 150 ألف طن في إسكندرون. كما أشارت مصادر بامتلاكه منجماً للذهب جنوبي أنقرة، واستثمارات في القطاع الفندقي في مدينة بودروم، ومجمعات سكنية فاخرة في تركيا.
وامتدّت أدواره لما هو أبعد من ذلك، إذ سعى لسد الفراغ في قطاع الاستثمار الحكومي في أعقاب العقوبات الغربية على النظام. فقد كشفت تسريبات “بنما” أن سامر يمتلك شركة “أمان المحدودة للطيران”، وهي شركة طيران خاصة تنشط في مطارات تركيا والمملكة المتحدة وإيطاليا. وتوضح معلومات تسجيل الشركات على شبكة الويب أن جميع الشركات التي يمتلكها (عامر وسامر فوز) قام بتسجيلها شخص واحد فقط يدعى (ماهر نادر بيطار).
وانطلاقاً من مخططاته في الالتفاف على العقوبات الغربية، قام بعملية احتيال على أصحاب المحال التجارية التابعة لـ”فورسيزونز”، وبدأ مجلس إدارة الفندق الجديد بإصدار قرارات طرد وإنهاء عقود كافة أصحاب المحال التجارية، بغض النظر عن مدة كل عقد لأصحاب المحال. ولم يتوقف الفوز عند التخطيط لهذا الأمر بل طلب بشكل رسمي، وتمت الموافقة على طلبه من قبل رجال أعمال في لبنان، بأن يقوموا بالحلول مكان المحال التجارية السورية، والحصول على امتيازات وإعفاءات ضريبية مقابل إدخال أنواع أجنبية معروفة من الألبسة الى هذه المحال، وبأسماء يمكن تغييرها كي يتم الالتفاف على العقوبات القائمة في الوقت الحالي. وبتلك الطريقة وعبر صفقاته المشبوهة، يعمل على ترسيخ مجموعات رأسمالية ضخمة لا تشملها العقوبات الغربية، ويذهب جزء من ريوعها إلى النظام في دمشق، وبالتالي زيادة مداخيل النظام وأعوانه.
فوق هذا كله، كشف تحقيق لمجلة “ذا دايلي بيست” الأمريكية عن محاولات سامر فوز التقرب من “براين بالارد” أكبر ممولي حملة ترامب الانتخابية، والعمل على بناء شراكاته معه في دبي. وتعليقاً على خبر ارتباط شركة فوز شركة “trading general international ASN” بالنظام السوري، أكد بالارد للمجلة أنه لم يكن يعرف ذلك، قائلاً “نحن لسنا CIA حتى نعرف هذه التفاصيل، وإذا تبين أن هذه الشركة لها علاقة بنظام الأسد، فإننا سنقطع علاقتنا معها”. وأكدت المجلة بالقول: “أن وجود فوز في دبي سمح له بتطوير علاقته مع إيران وشركاء غربيين”. وهذا الدور الخطير الذي يمارسه الفوز على المستوى الخارجي في تبييض صفحة النظام وتطمين المستثمرين الغربيين في الشرق الأوسط من قدراته المالية والسياسية والدبلوماسية وعلاقاته بالمال المتنقل بين القارات.
الفوز: رجل مافيا أمنية ومالية
“أنا رجل اقتصادي وليس لدي مصلحة في دخول عالم السياسة”، تصريح أدلى به سامر الفوز لمجلة أرابيسك – لندن في لقاء معه، ليبعد عن نفسه شبهة الارتباط بساسة المزرعة الأسدية وشبكاتها الزبائنية، لكن جرائمه تروي قصة مختلفة، لدرجة وصف خبراء اقتصاديون الفوز، بأنه أبرز خطوط الإمداد التي يستفيد منها نظام الأسد في ظل العقوبات الدولية الاقتصادية عليه، لأنه لم يرد اسم الفوز على لوائح العقوبات الغربية على غرار أعمال مقربين من الأسد، وهذا ما جعله واجهة مالية للنظام وقياداته الأمنية والعسكرية.
هذا عدا عن علاقاته المشبوهة بالزعامات الاقتصادية الإيرانية في سورية، فهو المنفذ والواجهة الاقتصادية في شراء العقارات وتأسيس شركات تابعة لإيران من خلاله، وكما تمكن من تأسيس علاقات قوية مع “حزب العمال الكردستاني، وتنظيم “داعش” لتمرير تجارته في المناطق التي يسيطران عليها شمال وشرق سورية.
ومن سوابقه الأمنية والإرهابية، أنه، وبحسب صحيفة الديار اللبنانية، أرسل عام 2015 من يعتدي بالضرب على الفنانة اللبنانية “قمر” ما أبقاها بالعناية المركزة لمدة اثني عشر يوماً، بعد كشفها أسرار العائلة ورفض أخيه الأصغر نادر، الانسحاب من علاقة غرامية معها، والتملص من غرامة عقد “مليون دولار” تم إبرامه عام 2013 مع قمر لإنتاج أعمالها الفنية. ليس هذا فحسب، بل مارس الفوز دوراً أمنياً وعسكرياً بتأسيس قوات درع الأمن العسكري بعد عودته من تركيا إلى سورية في عام 2014، وهي قوة شبه عسكرية تابعة للاستخبارات العسكرية، واستخدمها لأعماله المالية، والمهمة الأساسية لها الاستيلاء على أملاك وأراضي الأشخاص المعارضين.
آخر القول، تمكن النظام السوري بغطاء وتغافل عربي وعالمي واضحين، من تربية وتسمين شخصيات اقتصادية مثل سامر الفوز لتمرير صفقاته وشراكاته المالية والأمنية عبر الحدود، والتي زادت من الأسئلة حول أسباب تفرج العالم على استمرار آلة القتل وبيع واستلاب أملاك السوريين لصالح النظام وإيران وروسيا. وغدا الفوز الحوت الذي ابتلع كل شيء ليعبر عن مأساة وتغريبة الشعب السوري، وشرعية الدم السوري الذي هدره العالم المتخاذل والقوى العالمية على مدار سنوات الحرب دون أن يحركوا ساكناً.
مراجع:
جوزيف ضاهر، نظام الأسد ما زال يتكئ على شظايا البرجوازية السُنية، حكاية ما انحكت، 2 يناير 2018
دراج ميديا، من اشترى فندق الوليد بن طلال في دمشق
عدنان عبد الرزاق، سامر فوز … لغز رجل الأعمال الأسَدي، العربي الجديد، 16 مارس 2018
المدن ميديا، سامر الفوز حوت إعلامي أيضًا، جريدة المدن، 2 مايو 2018
مراد عبد الجليل، تعرفوا على حرامية ونصابي سورية الجدد: سامر الفوز، مازن الترزي، محمد حمشو، موقع سوريتي، 7 يناير 2018
عذراً التعليقات مغلقة