في ظل تداخل المصالح الدولية والإقليمية على الساحة السورية، والانتهازية السياسية لكل دولة سعياً لتحقيق مصالح كل طرف وفق معيار “المحاصصة” في عقد الصفقات فيما بينهم على المبدأ التجاري في البيع والشراء يبرز الآن حدثان مهمان على ساحة الصراع السوري:
– صياغة الدستور الجديد برعاية الدول الضامنة لنظام الأسد والمعارضة السورية في أستانة “روسيا، تركيا، وإيران”.
– معركة الجنوب السوري في درعا والقنيطرة بين فصائل المعارضة وقوات النظام المدعومة بالميليشيات الإيرانية والأفغانية وحزب الله اللبناني.
تدخل القضية السورية الآن مرحلة جديدة وخطيرة بعد أن انتهت مرحلة التكيّف مع الواقع والأسلمة، لتدخل مرحلة نزع المناطق وفصلها كجزر معزولة لفترة من الزمن، لتصبح واقعاً يتناسب مع مشروع “الكونفدرالية” الذي طُرح في السنوات الأولى للثورة، والذي عبّر عنه الروس بما سمّوه “وحدة الشعوب السورية” في مسودة الدستور الذي صاغوه ثم تراجعوا عنه، لتحديثه اليوم عبر اللجنة الدستورية، بما يتوافق والرغبة الأمريكية والأوروبية.
منعطف تاريخي خطير تمر به سوريا والشعب السوري اليوم؛ فبعد أن تمكّنت روسيا من احتلال سوريا عسكرياً، تسعى الآن لاحتلالها سياسياً وقانونياً من خلال السعي لصياغة دستور طبخت مواده في سوتشي وأستانة بشكل يُرسّخ ويُشرعن احتلالها، من خلال نقله إلى جنيف لإضفاء الصبغة الشرعية الدولية على هذا الدستور، الذي يهدف إلى افراغ سوريا من هويتها وعروبتها وإسلامها.
الجنوب السوري “درعا والقنيطرة” سيكون القنبلة الموقوتة التي تنتظر تفاهمات “روسيا وتركيا وايران” من خلال ما يسمى مخرجات أستانة التي أنتجت مناطق خفض التصعيد الهشة ونقاط المراقبة وطرح صياغة دستور جديد، خطوة نوعية أقدمت عليها فصائل الجنوب السوري من خلال سحب الثقة وعزل الهيئة العليا للمفاوضات بعد أن تحولت إلى أدوات احتلال دولية وإقليمية من خلال مؤتمر أستانة الذي ينسف كل حقوق الشعب السوري، تعبّر عن وعي لافت للاستفادة من التناقضات الدولية والإقليمية لصالح الثورة بهذا القرار الصائب، الذي يجدد الأمل بقلب الطاولة على كل الاتفاقات والتفاهمات الأستانية المضادة للثورة وأهدافها من خلال الالتفاف على القرار الدولي 2254، لإعادة تدوير الأسد ونظامه وفق الانتهازية السياسية التي تحقق مصالح كل طرف للدول الضامنة في أستانة “روسيا، تركيا، وإيران” على حساب دماء وحقوق السوريين .
هناك خلاف “روسي، أميركي” حول درعا والقنيطرة، لكن الجميع موافق على خروج إيران وميليشياتها من الجنوب ولاحقاً من كامل سوريا، وعلى عودة رمزية لمؤسسات الدولة ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن، والتحذيرات الأميريكية من فتح معركة الجنوب، موجهة لروسيا في المقام الأول، كونها تحاول أن تبيع ورقة الجنوب لأكثر من مشترٍ في الوقت نفسه.
معركة الجنوب التي يروّج لها النظام والميليشيات الإيرانية، والتي يقول الروس بأنها إن حصلت لن تلقى دعماً واسناداً جوياً من المقاتلات الروسية لتغطيتها، يراد لها أن تسير بالتوازي مع دراسة مسودة الدستور الجديد في جنيف ويدرك الروس أن من يجتمع هناك هم الدول المؤثرة في الواقع السوري لإعادة إحياء مسار جنيف وابتلاع أستانة ضمنه من خلال العودة لتطبيق القرار الدولي 2254، وهذا ما يخشاه الروس والإيرانيون والأتراك والنظام على حد سواء.
روسيا التي تسعى إلى الحل والحفاظ على مكتسباتها ضمن تداخل المصالح الدولية والإقليمية “تقاطعاً وتناقضاً ” تطرح شرطاً “رُفض أميريكياً” بتفكيك قاعدة التنف الأميريكية مقابل إبعاد ايران وميليشياتها عن حدود هضبة الجولان، التي تسعى إسرائيل الآن إلى انتزاع اعتراف من الكونغرس الأميركي بسيادتها على هضبة الجولان بشكل نهائي تمهيداً لبدء استخراج النفط السوري الذي تؤكد الدراسات الجيولوجية وجوده باحتياطي هائل في هضبة الجولان السوري المحتل، وفي التوصل لصيغة اتفاق نهائي مازال الروس يطرحون خيار بقاء بشار الأسد مقابل انسحاب ايران من سوريا، خيار ترفضه إيران التي تتضارب مصالحها مع مصالح حليفها الروسي، والتي تتمثل بالوجود الإيراني الدائم في سوريا والاستيلاء على تاريخها واقتصادها وتهجير أهلها واستبدالهم بعناصر إيرانية وطائفية تابعة لها من خلال سعيها للتغيير الديمغرافي في سوريا، بينما يسعى الروس لحماية قواعدهم العسكرية، إضافة إلى المصالح الاقتصادية بالنفط والغاز ، والتحكم في خطوط نقل الطاقة من خلال السيطرة على مفاصل القرار السياسي والعسكري في دمشق.
اللعبة الآن بين الحليفين “روسيا وايران ” تدور حول من يمتلك مفاصل تأثير أكثر داخل بنية النظام السوري، إيران تمتلك أوراقاً وفيرة يمكن استخدامها، ولكن روسيا لها الأرجحية كقوة عسكرية وسياسية، فضلاً عن العزلة الدولية التي فرضت على إيران بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران والذي يصب في مصلحة الروس، والرغبة “الاسرائيلية” بطردها من الأراضي السورية.
عذراً التعليقات مغلقة