مرّت صلاة رأس النظام السوري بشار الأسد، خلال عيد الفطر قبل أيام، دونما تأريخ وملاحظات، ما قد يثير عتب التاريخ وغضب الأجيال اللاحقة، حينما تسأل “أين صلى بطل الممانعة صلاة عيد الفطر عام 2018″، فتقف الكتب والمدونات حائرة خجلة أمام سؤال وحدث “جلل” كان لا بد من تأريخه وأخذ العبر من تفاصيله.
لن نأتي على الرجل الثالث على يسار بشار الأسد، الذي يضع خلال الصلاة يده اليسرى فوق اليمنى، فذلك، على الأرجح، لأن مرافقة الأسد لن يخضعوا لتدريب حول كيفية وأوضاع الصلاة، وانشغلوا بما هو أهم ويعود بالأمن والسلامة على قائدهم التاريخي.
بل سنأتي، ومروراً، على أمرين اثنين، الأول لماذا اختار بشار الأسد وفريق ممانعته مدينة طرطوس ليصلي فيها، والثاني، تشبيه واحد فقط، من التشابيه التي كالها بسخاء، خطيب الصلاة، وزير أوقاف النظام محمد عبد الستار السيّد.
الأمر الأول، لماذا اختار بشار الأسد طرطوس ليصلي في جامع السيدة خديجة صلاة العيد؟!
إن لم نُدخل ما قيل أخيراً حول محاولات “احتجاج وتمرد” بالمحافظة، التي عوّل عليها بعض الثوار في أن تنفجر حواضن الأسد، بعد أن اكتشفت أخيراً، وبعد سبع سنوات من مقتلة أولادها، أن مشروع الأسد هو أسري ولا يتعدى كرسي الوراثة.
لنركز فقط على ما خسرته طرطوس، تلك المحافظة الساحلية التي لا يربو عدد سكانها على 900 ألف نسمة، خلال حرب الأسد على الثورة من شبابها.
تقدر وسائل إعلام وتواصل اجتماعي مقربة من النظام السوري أن عدد القتلى الشباب بصفوف جيش الأسد يزيد عن 150 ألف قتيل، وأن أكثر من 20% منهم من محافظة طرطوس.
وربما بقية الخبر في أن معظم ذوي هؤلاء القتلى لم يحصلوا على ساعة جدارية أو معزاة، كما اعتاد نظام الأسد في تكريم أو تعويض أهالي قتلاه.
وهاكم تعليقاً باسم “أبو علي” من صفحة خاصة بشهداء طرطوس، كتبه بالعامية “أنا أخ لشهيد مدني أستشهد من أول الأزمة ولهلق مطلعلو شي، الشهيد متزوج ولديه ولدان وأنا عم أصرف عليهن، وعندي أهلي وأفي مدخول غير شغلي أنا، يعني عم أصرف ع ثمانية أشخاص بتمنا تحكو بهالموضوع ع صفحتكن ليش عم يعملو المسؤولين هالشي هيك”. وهذا الـ “أبو علي”، أكثر هدوءاً وتصبراً من كثيرين، ممن علقوا وأفرغوا جام غضبهم على الأسد وآله وصحبه أجمعين.
أما آثار قتلى طرطوس الاجتماعية فقط، فهاكم هذه المقاربة، علها تفي بالغرض وتوصل الفكرة، فقد أشارت صفحة “هنا طرطوس” إلى أنّ عدد النساء اللاتي تجاوزن ثلاثين عاماً ولم يتزوجن وصل إلى 82 ألف امرأة. وأن عدد النساء اللاتي لم يحالفهن الحظ في إيجاد شريك حياتهن في ازدياد، وبالاعتماد على هذه الإحصائية فإن نسبة النساء اللاتي تجاوزن ثلاثين عاماً ولم يتزوجن في محافظة طرطوس تصل إلى 17.59%.
وأما الأمر الثاني، فهو ما قاله وزير أوقاف الأسد، خلال خطبة صلاة العيد، “لئن كان التاريخ قد ذكر في طياته أن المغول أفسدوا ودمروا فقهرهم ببطولته المظفر قطز وإن كان الزمان قد حدثنا عن الفرنجة الذين أذلهم وطردهم الناصر صلاح الدين فلا شك ولا ريب أن هذا التاريخ سيكتب أن الصهاينة ومعهم أعراب وأغراب أرادوا بسورية وأهلها الويل والثبور فأرغم أنوفهم وقهر كبرياءهم عظيم وقائد اسمه بشار الأسد”.
ربما من الضرورة الوقوف على “نفسية” بشار الأسد حين يسمع هكذا كلام، التي نظنها راضية مرضية لأمرين اثنين، الأول ثقته بأن مواليه من الهوان والذل ما يبقيهم يمتدحونه رغم أنه دمر سورية وقتل وهجّر شعبها، والأمر الثاني أن الديكتاتوريين يتماهون مع المدائح لدرجة أنهم يعيشون الحالة ويظنون أنهم بالفعل أبطال.
ولكن، لماذا قطز بالذات وما وجه الشبه بين الأمير محمود بن ممدود الملقب بقطز، وبين بشار الأسد. وللعلم، قطز لقب أطلقه عليه التتار مذ اختطفوه طفلاً وباعوه، ومعنى قطز بلغتهم “الكلب الشرس”.
أولاً؛ قطز لم يرث السلطة عن أبيه، بل ولم يدم على كرسيها أكثر من عام، ثانياً قطز هزم التتار بعين جالوت وبشار الأسد لم يبق “جالوتياً” إلا وغزاه على أرضه، ثالثاً إن كان وزير الأوقاف السيّد يظن من خلال متابعته مسلسل “الظاهر بيبرس” أن التشابه بين أسده وقطز يعود إلى لون العينين، فعلى الأرجح أن مخرج العمل “محمد عزيزية” أراد عاملاً تشويقياً إضافياً من المسألة، كما لا تشابه بالطول ولا بمخارج الحروف على ما أعتقد… فلماذا خطر لك قطز على بال.. يا وزير الأوقاف.
عود على بدء، من يتابع خروج بشار الأسد من مخبئه، وبأوقات معينة وإلى أماكن محددة، سيعرف وببساطة أهداف تلك “الزيارات” التي ما عادت لتنطلي على السوريين، بمن فيهم شبيحته ومناصروه غصباً.
ففي عام 2016 مثلاً، أراد بشار الأسد أن يقول إنه انتصر، فصلى صلاة عيد في حمص وأخرى في درايا بريف دمشق، بعد أن سوى جيشه وحلفاؤه أبنيتها بالأرض وقتلوا وهجروا شعبها بأكمله، من جراء حصار استمر لأكثر من أربع سنوات، ذاق خلالها الصامدون كل أشكال التجويع والقصف والمعاناة.
وصلى في العام السابق 2015 بمدينة حماة، التي قتل من سكانها أبوه، حافظ الأسد، نحو 40 ألف إنسان، بعد حملة استمرت لنحو الشهر في مطلع فبراير/ شباط عام 1982… بل وقيل إن بشار الأسد أوعز لقيادات الحزب والأمن لتعيد تمثال أبيه الذي هدمه الثوار عام 2011 قبل أن يصل إلى حماة ويصلي في جامع النور وقتذاك، في أول ظهور وخروج له من دمشق والصلاة بمساجدها.
وها هو اليوم، وبعد استمرار منع الروس له من أن يصلي في مدينة حلب، يصلي في طرطوس، علّه يمتص بعض فائض الغضب ويبتعد عن تشابه وحيد مع “قطز” بأن يجتمع ثلاثة “أمراء” في القصر الجمهوري، على أن اعتبار المقربين وحراسة بشار جلهم من طرطوس، فيقتلونه ويتحقق، ولو جزءاً، من نبوءة وتشبيه الوزير عبد الستار السيّد.
Sorry Comments are closed