«ثورة» الإسلاميين ليست ثورة إسلامية

بكر صدقي21 يونيو 2018آخر تحديث :
«ثورة» الإسلاميين ليست ثورة إسلامية

هو نقاش الخاسرين: ماذا قدم العلمانيون للثورة السورية، أو ماذا قدم لها الإسلاميون؟ لولا خسارتهما، ربما كان، بدلاً من النقاش، حرب هدفها التفرد بالسلطة وإقصاء الآخر. أما وهو نقاش نظري، فقد يكون مفيداً إذا تم خوضه بنية التعلم، لا بنية المماحكة والقتال على ركام ثورة وخرابها. ولكي يكون مفيداً يجب أن ينظر كل طرف في المرآة، ويسائل نفسه قبل الآخر: ماذا قدمت أنا للثورة السورية، أو ماذا فعلت بها؟

لكنهما لن يفعلا، ما دام الأمر يتعلق بصراع على السلطة، مهما ابتعد هذا الهدف بفعل الخسارة البينة. فما زال، في الصف المعارض، «سلطة» ما تطمح لتحديد معاني الكلمات وكتابة التاريخ على أقل تقدير، إن لم يكن بقايا «وجاهة» ومنافع تافهة.

واضح من مضمون السجال الدائر أن هناك ثورتين على الأقل، لا واحدة متفق عليها. وما دام الأمر كذلك، فصحيح أن العلمانيين لم يقدموا شيئاً لثورة الإسلاميين، وما كان لهم أن يقدموا. ولا قدم الإسلاميون شيئاً للثورة السورية، ولا كان لهم أن يقدموا. بل حاربوا كل قيمها، قالوا إن الديموقراطية كفر، وحكموا في مناطقهم «المحررة» بالحديد والنار، وحاربوا حرية الفرد وكرامته، عمادا الثورة السورية ومعناها. أعمتهم السلطة وأسكرهم التحكم بالبشر وكفروا بكل التراكم المتحقق في الحضارة الإنسانية.

ولكن مهلاً، عن أي «إسلاميين» نتحدث؟ عن الإخوان المسلمين، أو التيار الإخواني الذي يظهر في شخصيات ومجموعات وأحزاب كثيرة مموهة، أم عن المجموعات السلفية الكثيرة بدورها، أم عن السلفية الجهادية بمنظماتها المتحاربة فيما بينها؟ ذلك أن الإسلام السياسي، بمختلف أنواعه، ليس بالإيديولوجيا التي تتقبل التنوع والتعدد. وكل مجموعة تعتبر نفسها «الفرقة الناجية»، وتكفّر أخواتها، الأمر الذي لا يسمح بالحديث عن أنواع مختلفة من «الثورة الإسلامية» يمكن المفاضلة فيما بينها. فلو أن المجموعات الإسلامية المنخرطة في الصراع السوري اتفقت، فيما بينها، على مفهوم واحد لتلك الثورة، ومرجعية واحدة، لكان من الممكن وضعها في مواجهة الثورة الأخرى التي يدافع عنها معارضون غير إسلاميين.

أما واقع الحال فهو وجود فاعلين سياسيين كثر، بعضهم مسلح، يعتنقون إيديولوجيات متنوعة، منها إسلامية ـ بطبعات مختلفة ـ ومنها غير إسلامية. ولم تنكر القوى غير الإسلامية على الإسلاميين حقهم في المشاركة في الثورة أو الحياة السياسية بصورة عامة، لكنهم يرفضون استخدام الإسلام لأغراض سياسية. فهذا مما يسيء للإسلام الذي ليس حكراً، كدين وثقافة، على الإسلاميين. للعلماني حصته من الإسلام، انتماءً وقراءة وتأويلاً، ولا يستطيع الإسلامي أن ينازعه في ذلك. كما أن عامة المسلمين، متدينيين وغير متدنيين، لا يجدون في الإسلاميين ممثلاً سياسياً لهم. فهذا هو الغش الأولي الذي يمارسه الإسلاميون: أي اعتبار المسلمين إسلاميين تعريفاً. معروف للقاصي والداني أن «أسلمة الثورة السورية» تمت بفعل فاعل، من الجهات الممولة التي باتت لها اليد الطولى، في مرحلة معينة من الثورة، ولم تكن تطوراً عفوياً بحكم إسلام أكثرية السوريين كدين متوارث ومستقر في المجتمع.

أبعد من ذلك: أزعم أن ثورةً إسلامية قامت في التاريخ مع الدعوة المحمدية، وخاضت تجربتها التاريخية إلى النهاية، وبقي منها جانبها الثقافي العام، هو الذي يمتح منه «إسلاميون» يريدون إضفاء طابع قدسي على مطامحهم السياسية المشروعة بذاتها. إن الحديث عن تكرار تلك الثورة التاريخية العظيمة، أو استعادة بعض جوانبها «المفيدة سياسياً» من قبل طامحين حديثين إلى السلطة، هو الذي يشكل أكبر الخطر على إرث تلك الثورة الأولى المنتهية. وما عاشته منطقتنا من تجارب «إسلاموية» في عصرنا هذا، لم ينتج عنها غير الخراب والخسائر لمجتمعات المسلمين.

الإسلام السياسي الذي انتعش في أعقاب انحطاط الإيديولوجيا القومية، يمر اليوم بأزمة عميقة نرى تجلياتها في غير مكان: من إيران «الجمهورية الإسلامية» إلى السودان، إلى تركيا العدالة والتنمية، إلى حركة حماس الإخوانية، والتجربة الإخوانية القصيرة في السلطة في أعقاب الثورة المصرية، وصولاً إلى أقصى ما ذهب إليه الإسلام الجهادي في تجربة «الدولة الإسلامية» (داعش). وهي ليست بحال أزمة نمو، بل أزمة تحلل وتفسخ. وربما إحدى المهمات المطروحة على مجتمعاتنا اليوم هي تحرير الإسلام، ديناً وثقافة، من الإسلاميين.

بدلاً من أن يقوم الإسلاميون بالتأمل في تجاربهم السياسية الممتدة منذ السبعينيات إلى اليوم، بعين النقد وإعادة النظر، يحاولون تحميل الآخرين مسؤولية فشلهم المتكرر وفي كل مكان. بدلاً من أن يتركوا الإسلام لحاله وأهله، يصرون على استثماره لمصالحهم الدنيوية الضيقة، إلى درجة تحول فيها «الإسلام» إلى مشكلة عالمية، يواجهها أقوياء العالم بالنار والحديد.

التيار الإخواني بالذات يمارس التقية، كشكل من أشكال العمل السياسي، وعينه دائماً على السلطة. لا تهمه ثورات الحرية والكرامة، إلا بقدر ما تشكل سلماً يتسلقونه إلى السلطة. ولذلك تراهم خاسرين دائماً، لأن من يريد السلطة عليه أن يخاطب القلوب والعقول، بغير تقية، بل بقلب مفتوح، على الأقل حين يكون في المعارضة، وإلا فلا مصلحة لأحد في مساعدتهم على الوصول إلى السلطة.

بدلاً من السؤال عما قدمه العلمانيون للثورة، السؤال الصحيح هو ما الذي فعله الإسلاميون بالثورة السورية؟

المصدر القدس العربي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل