البرلمان الألماني يكافئ جلادي العالم ويمنحهم شهادة حسن سلوك!

فريق التحرير5 يونيو 2016آخر تحديث :
البرلمان الألماني يكافئ جلادي العالم ويمنحهم شهادة حسن سلوك!

Wesam.alden.oqla

* وسام الدين العكلة

صادق البرلمان الألماني قبل يومين على قرار يعتبر الأحداث المزعومة التي جرت في جنوب وشرق تركيا وفي بعض المناطق التي كانت خاضعة للدولة العثمانية عام 1915، بأنها جريمة “إبادة جماعية” أو “تطهير عرقي” بحق الأرمن، في الوقت الذي تجاهل فيه مئات المجازر التي ارتكبت وما تزال ترتكب يوميا في أنحاء متفرقة من العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

لسنا في وارد الدفاع عن موقف الحكومة التركية فلديها من الأوراق السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن الوثائق التاريخية ما يدحض الكثير من المعلومات التي استند إليها البرلمان الألماني، ويقلب ما ورد فيها رأسا على عقب. خاصةً وأن الحكومة التركية أعلنت مرارا أنها مستعدة لفتح الأرشيف العثماني أمام المؤرخين الغربيين وحتى الأرمنيين وتشكيل لجان قضائية مشتركة للتحقيق في المزاعم الأرمنية حول مقتل نحو مليون شخص في تلك الفترة بدوافع عرقية.

ما يغيظ أبناء منطقتنا ليس إدانة القاتل، فنحن وجميع أشراف العالم مع إدانة المجرمين والقتلة ونطالب بمحاكمتهم أيا كانت انتماءاتهم أو توجهاتهم، بل ما يغيظنا هو سياسة الكيل بمكيالين تجاه الأحداث والحروب التي شهدتها هذه المنطقة من قبل دول تاريخها أسود من السواد نفسه في القتل والإبادة الجماعية، وتأتي اليوم لتطبق علينا مفاهيم عدالتها. فهل تاريخ ألمانيا النازية التي أحرقت البشر في الأفران أحياء، يسمح لها بالحديث عن الإبادة والتطهير، وهل تاريخ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي أبادت الهنود الحمر وجلبت مرتزقة من كافة أنحاء العالم محلهم أفضل.

بعد أيام ستمر الذكرى الحادية والسبعون لقصف مدينتي “هيروشيما ” و”ناغازاكي” اليابانيتين بالقنابل الذرية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الناس الأبرياء خلال ساعات، فهل سيجرؤ البرلمان الألماني على إدانة هذه الجريمة البشعة بحق الإنسانية جمعاء. كما أننا لم نسمع إدانة من هذا البرلمان أو ذاك عن جرائم الحرب في فيتنام والتجارب النووية الفرنسية في الجزائر، وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين العزَّل على مدى أكثر من سبعين عام، وجرائم الإبادة الجماعية بحق الروهينغيا في بورما المستمرة حتى الآن، إلى جانب استخدام النابالم والفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب ضد المدنيين في العراق من قبل الجيش الأمريكي. كما لم نسمع إدانات على هذا المستوى لجرائم الحرب المستمرة حتى اللحظة ضد ملايين الأبرياء في سوريا من قبل إيران وروسيا وجيش “بشار الأسد” والميليشيات التابعة له. وهذه الجرائم لا تزال نتائجها ماثلة أمام أعيننا ومرتكبوها لا يزالوا في مواقعهم دون أدنى محاكمات لهم.

في آذار/ مارس الماضي أقر الكونغرس الأمريكي قرارا يطالب الرئيس الأمريكي باعتبار الجرائم التي ارتكبت من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ضد بعض الأقليات في سوريا والعراق جرائم ضد الإنسانية وجرائم “إبادة جماعية” في الوقت الذي يغض النظر فيه حتى الآن عن استخدام السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وكافة أصناف الأسلحة والتهجير بحق الشعب السوري حتى يومنا هذا.  ببساطة هذا انحياز آخر يتنافى مع أبسط القيم والمواثيق والعهود الإنسانية التي تنادي بها هذه الدول.

ليس لدينا شك أن ما يقف وراء هذا القرار هو أجندات سياسية لحساب هذا الفريق أو ذاك، والمقصود بها الضغط على تركيا، وربما أيضا على حزب المستشارة “انغيلا ميركل” لتحقيق مكاسب انتخابية. خاصة وأن تركيا ترتبط بعلاقات أكثر من وثيقة مع ألمانيا منذ أربعينيات القرن الماضي، وساهمت الجالية التركية بإعادة بناء ألمانيا التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة بالكامل، ويوجد فيها اليوم أكبر جالية أجنبية يفوق عددها الثلاثة ملايين شخص من خيرة الأتراك جلهم من المستثمرين ورجال الأعمال وحتى أعضاء في هذا البرلمان.إلى جانب ذلك تعتبر تركيا وألمانيا عضويين رئيسيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

والسبب الأكثر منطقية ربما هو الرد على الضغوط التي مارستها تركيا ضد الاتحاد الأوروبي في مسألة تدفق اللاجئين عبرها أراضيها إلى أوروبا ومحاولة انتزاع المكاسب التي تم تحقيقها في الاتفاق الأخير بينها وبين الدول الأوروبية، وكبح جماح ما يعتقده الأوروبيون بالحلم “الأردوغاني” لإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

لذلك، برأينا التحقيق في مثل هذه الجرائم على افتراض وقوعها ليس من اختصاص البرلمانات المسيسة في الغالب، بل صاحب الاختصاص الحقيقي هو القضاء الدولي الذي يستند في أحكامه على وقائع وأدلة حقيقية دامغة،  ولا نعتقد أن الحكومة التركية تمانع في ذلك لاعتقادنا بأنها تملك وثائق تاريخية تدحض هذه المزاعم جملة وتفصيلا.

في حين أن الإصرار على إصدار مثل هذه القرارات ما هو إلا مكافأة وشهادة حسن سلوك لمجرمي الحرب والجلادين الذين ارتكبوا جرائم حرب وتطهير بعد عام 1915 ولا زالوا طليقين دون محاكمة، وانتكاسة كبيرة للقيم والحقوق الإنسانية، وكأن التاريخ توقف عند هذه الأحداث المزعومة.

* المصدر: ترك برس

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل