الأستانيون وبشار الكيماوي.. تأهيل وتسويق أم ذبح بصمت

جمعة الحمود15 يونيو 2018آخر تحديث :
الأستانيون وبشار الكيماوي.. تأهيل وتسويق أم ذبح بصمت

في سوريا نحن مقبلون على مرحلة جديدة وفقاً للمعطيات التي أفرزها الأمر الواقع من خلال تمكّن النظام من استعادة السيطرة على كامل دمشق وحمص، إضافة لمدينة حلب ومناطق الساحل بفعل الدعم الروسي والايراني عسكرياً وتوفير الغطاء الدولي للنظام السوري الذي حال دون عزلته الكاملة وضمن له شرعية دولية نسبية، لكن معتبرة.

الواضح أن الثورة قد استنفذت فرصتها بإسقاط النظام عسكرياً، رغم كل الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون من دماء شهدائهم ودمار مدنهم وهلاك ممتلكاتهم وتشردهم، ويعود ذلك الى تفكك المعارضة وتشرذم قواتها وافتقارها للدعم الدولي المباشر الذي حصل عليه النظام من روسيا وإيران وعدد من الدول.

الوضع الذي كان سائداً منذ تحوّل الثورة السورية إلى العسكرة وحتى الآن انفرط عقده كنتيجة ومآل لما سبق، والمرحلة القادمة مختلفة تماماً، وهي سياق طويل لا ينفع معها الاستراتيجية التي كانت متبعة سابقاً على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتي فشلت بتشكيل مرجعية موحدة تقود الحراك الشعبي.

سوريا اليوم مقسمة إلى مناطق نفوذ واحتلالات دولية وإقليمية متناقضة الأهداف والأطماع والمصالح، احتلالات تقطّع جسد سوريا التي أنهكتها الحرب وتتقاسمها أرضاً وشعباً، وترسم مناطق نفوذها لنهب ثرواتها.

صورة الخريطة السورية التي توحي أن هناك اتفاقاً روسياً أمريكياً على تقسيم سوريا إلى 4 مناطق نفوذ دولية وإقليمية:

  • منطقة نفوذ تركي في الشمال
  • منطقة نفوذ اسرائيلي أميريكي في الجنوب
  • منطقة نفوذ أميريكية في شرق سوريا
  • منطقة نفوذ روسية ايرانية غرب ووسط سوريا التي تتواجد فيها بقايا النظام في ظل حماية روسيا وايران

تجلس القوى الإقليمية والدولية المحتلة لسوريا اليوم على طاولة المفاوضات في غياب أي إرادة سورية سواء من طرف النظام أو المعارضة التي تمثلها هيئة التفاوض، لترسم خرائط النفوذ الجديدة وتحسم وجود القوى الأجنبية المتصارعة على الأرض السورية في مشهد يثير الأسى لما وصل إليه الوضع السوري، لتتفاوض على مصيرها وعلى هويات من يسيطرون عليها، وبما أن الشعور العام لدى الأميريكيين والروس ومعظم القوى الإقليمية، أن خيار بقاء الأسد أصبح خارج النقاش فلا مشكلة لدى النظام طالما أن هذه القوى لا تطرح بديلاً له وتقر بأن بقاءه يضمن مصالحها.

وسواء تعلّق الأمر بالمفاوضات “التركية الأمريكية” حول وضع منبج والمناطق الواقعة شرقي الفرات، بعد أن أكمل الاتراك نقاط رقابتهم في إدلب وريف حلب الشمالي أو المفاوضات “الروسية الاسرائيلية” المتعلقة بدرعا والقنيطرة والجنوب السوري بشكل عام، فإن النظام السوري يُبلّغ تفاصيل الترتيبات الأمنية المقبلة في هذه المناطق من دون أن تكون له كلمة بشأن ما يتم الاتفاق عليه.

من إدلب وريف حلب الشمالي ومنبج شمالاً إلى درعا والحدود الجنوبية، تسعى مختلف الأطراف إلى السيطرة على ما تستطيع من أرض وتأمين أكبر قدر من المصالح، تركيا تعد أن مشكلتها الكبرى في سوريا هي النفوذ الكردي الذي تعمل على لجمه على حدودها، تجسد ذلك من خلال تفاهمها الأخير مع الإدارة الأميريكية، أما “إسرائيل” فتعد أن مشكلتها في سوريا تتمثل بالنفوذ الايراني الذي تسعى لتحجيمه، حيث عقد تفاهم “روسي إسرائيلي” تحت أنظار أميركا أقرت فيه روسيا بابتعاد ايران وحزب الله عن الجنوب وحدود الأراضي المحتلة والأردن، وفي الحالتين لا ترى تركيا و”إسرائيل” أن لديهما مشكلة في بقاء الأسد بالسلطة إذا تم ضمان مصالحهما المباشرة.

يُعوّل النظام السوري بالتقاء مصالح تلك الدول الخارجية على توفير غطاء يضمن بقاء بشار الأسد رئيساً من خلال المقاربة التي تلامس تحقيق مصالح كل طرف على حدا، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة سيادة الدولة السورية على أرضها، وفوق أنقاض بلد كان تدميره هو التكلفة الباهظة من دم أبنائه وبنيته التحتية لبلوغ هذه الخاتمة.

يشعر النظام الآن بشيء من الأريحية فالدول الثلاث الضامنة “روسيا _ إيران _ تركيا” استطاعت أن تقود هيئة التفاوض للمعارضة إلى تجاوز بند تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي تفرضها المادة 4 من القرار الدولي 2254 كإجراء يسبق صياغة الدستور الذي وضع على طاولة المفاوضات بين النظام وهيئة التفاوض برعاية وإشراف الدول الضامنة لمخرجات أستانة، مما يمهد الطريق لبشار الأسد، ليس لتبرئته من كل جرائمه وبقائه في الحكم لانتهاء ولايته وحسب، وإنما تفتح له الباب على مصراعيه لدخول الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2021.

هل تدرك هيئة التفاوض أن تجاوز تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاستحقاق يسبق صياغة الدستور هي رسالة باسم الشعب السوري للمجتمع الدولي، مفادها الاستسلام والقبول ببقاء النظام، وهو ليس كذلك، وجريمة سيحاسب أحرار الشعب عليها ما لم تعد الهيئة عن تواطئها؟

شعور النظام بالطمأنينة لمجرى المفاوضات من ناحية تجاوز هيئة الحكم الانتقالي إلى البدء بصياغة الدستور، يقابله قلق كبير حول تصدع الحلف “الروسي الإيراني التركي” الذي يحميه، فالركون الى وضع المناطق الحدودية شمالاً وجنوباً في عهدة القوى النافذة، وإجبار ايران حليفه الأهم على الأرض، الابتعاد عن منطقة الجنوب ووقف المعركة هناك وتهديد الروس بعدم تغطيتها تلبية لرغبة أمريكا و”إسرائيل”، كل ذلك يقرأه النظام بأن الخلافات الروسية الايرانية بدأت تطفو على السطح، وهذا ما يضع النظام أمام خيارين أحلاهما مر، خاصة وأن النظام أمام ضغوط دولية للمشاركة بالمعركة السياسية التي يتجنب دخولها بشكل مباشر، والتي يُعوّل على إجهاضها أو حسمها عن طريق حلفائه، خلافات ظهرت من خلال دخول روسيا إلى القصير معقل حزب الله وعمق النفوذ الايراني غربي حمص على الحدود اللبنانية، خاصة بعد الضربات الاسرائيلية لمواقع أساسية للحزب في تلك المنطقة، تعتبر تحولاً في مجريات الصراع يخشى النظام من نتائجها وتسارعها بسبب التحولات السياسية والعسكرية والاقتصادية على الساحة الدولية.

بعد قيام ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات الاقتصادية عليها وعلى الدول والشركات والهيئات التي لا تلتزم بتنفيذها، وما تبعه من توقيع مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ما يتوجب اليوم هو الخروج من قوقعة اليأس والخوف والمسلمات، فالمطلوب الآن هو عدم الاستسلام والقبول بما يتخذه الأستانيون من قرارات لكسر الارادة الشعبية التي تطلب التغيير ورفع الظلم ومحاسبة المجرمين، علينا أن نطالب جميعاً ونرفع الصوت عالياً على كافة المستويات الشعبية والهيئات الثورية والاعلامية بإعلان دستوري أممي ينظم المرحلة الانتقالية وفق القرارات الدولية 2118 و 2254، فالمرحلة حساسة وخطيرة، وكتابة الدستور في ظل حكم بشار الكيماوي المعترف به في الأمم المتحدة يبرئ القتلة والمجرمين ويُشرّع استخدام القوة والأسلحة الكيماوية للدول ضد شعوبها وخصومها كعرف دولي يحتذى به، إضافة لتكريس نظم الفساد والاستبداد في العالم.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل