مخيم اليرموك: الطريق إلى 19 نيسان 2018 – ملامح الراية السوداء

معاوية محمد11 يونيو 2018آخر تحديث :
معاوية محمد

في الطريق إلى محطة ما، لا غنى عن التاريخ. فالتاريخ ليس رصدا للحركة التي أوصلتنا إلى هذه النقطة، بل هو الحركة ذاتها. وفي مفكرتي، تصريح للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة أحمد جبريل، يقول فيه: “سيتم تحرير مخيم اليرموك من المجموعات المسلحة التي تسيطر عليه بالقوة العسكرية إذا فشلت الجهود السياسية في تحقيق ذلك” ثم يوضح: “إذا فشلت الفصائل المجتمعة في القاهرة في التوصل إلى حل سياسي لأزمة مخيم اليرموك بما يؤدي إلى انسحاب المسلحين منه، فإننا سنحرر المخيم بالوسائل العسكرية”.

ولمن يهتم بالتاريخ، أقول له إن هذا التصريح يعود إلى العام 2013! على هامش احتفالات السفارة الإيرانية في دمشق بذكرى الثورة الإسلامية في إيران. وأيضا لمن يهتم بالتاريخ، فإن ههنا فصيلا لم يتأسس لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر فحسب، بل “حتى تحرير الأرض والإنسان” يعلن بكل شفافية عن ماهيته الارتزاقية، وعن حقيقة مفهومه للتحرير. هنا من الواجب أن تسأل: ولم انسحب عناصر القيادة العامة أصلا من المخيم؟ لم وزعت القيادة العامة سلاحا على عناصر تعرف نزوعهم المؤيد للثورة السورية؟ لم الاستعجال بالتنبؤ بفشل الحلول السياسية (هذا في واقع الأمر ما يسمونه: التنبؤات المحققة لذاتها)؟ وهل المخيم في عرف القيادة العامة أرض سورية أم أرض فلسطينية حتى تتولى هي تحريرها بنفسها؟ كيف ينظر الفلسطينيون عموما، وأهل المخيم خصوصا، إلى القيادة العامة وتاريخها ودورها؟ هذه الأسئلة، وغيرها كثير، هي ما يجعل للتاريخ معنى، وللحوادث أسبابا، وللتاسع عشر من نيسان 2018 طريقا.

إذن بدأ دخول المساعدات الغذائية مع بدء العام 2014. لكن هذا لم يكن نهاية المعاناة والموت جوعا. فقد كانت المساعدات شحيحة، مريرة، وبالتقسيط. لا تضمن لك إلا أن تعيش مزيدا من الوقت في منزلة “نصف الحياة – نصف الموت” ريثما تستلم السلة الغذائية اللاحقة. وكان توزيعها فرصة مناسبة لإهانة الناس، وضربهم، واعتقالهم. حتى 10-6-2014 اعتقل قرابة 150 رجلا و 15 امرأة دفعهم جوعهم الممض إلى التماس ما يمسك الرمق عند حاجز الموت. كما كثرت حالات التحرش الجنسي مذ تولت النساء أساسا مسألة استلام المساعدات قرب مدخل المخيم، نظرا للمخاطرة التي يتعرض لها الرجال والشباب هناك.

كانت تلك الشهور حربا على الأمعاء، وحربا على الأعصاب (دون الحاجة لغازاتها)، وحربا على الكرامة.

ومنذ منتصف العام 2014 بدأت سلسلة من الاغتيالات تطيح بناشطين سياسيين وإغاثيين وطبيين من الفاعلين في مخيم اليرموك، والمعروفين لكل قاطنيه آنذاك، ولعل هذا الاغتيالات بلغت العشرين. وكان من أبرز ضحاياها:

● 17-6-2014 أبو العبد شمدين(خليل)، وهو ناشط إغاثي، وعضو تجمع أبناء اليرموك.

● 20-12-2014 أبو العبد (محمد يوسف) عريشة، مسؤول تجمع أبناء اليرموك، ومدير الهيئة الخيرية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.

● 23-12-2014 أبو أحمد طيروية، مسؤول حركة فتح- إقليم سوريا في مخيم اليرموك.

● 30-3-2015 أبو صهيب (يحيى حوراني)، قيادي في حماس، مسؤول التنمية والتدريب في هيئة فلسطين الخيرية.

● 12-7-2015 أبو معاذ (مصطفى الشرعان)، مدير هيئة فلسطين الخيرية، ثم مؤسس “الوفاء” الخيرية.

● 27-10-2015 أبو أحمد هواري، مسؤول الحبهة الديمقراطية في المخيم، وأمين سر الهيئة الوطنية الفلسطينية.

ويحتاج الأمر وقفة خاصة ومطولة لفهم مغزى هذه الاغتيالات، وتوقيتها، ومن يقف وراءها. ولا أجدني مؤهلا لذلك، لكن قراءة كتاب “السلطة السوداء: الدولة الإسلامية واستراتيجيو الإرهاب” مفيدة كثيرا في هذا المجال. والكتاب/المرجع الذي أنجزه الصحفي الألماني كريستوف رويتر عام 2015، وترجم إلى العربية في العام التالي، وثيقة تاريخية مهمة بحق، وتضيء كثيرا من الزوايا المعتمة. “في عام 2011، في سوريا، أحيلت 900 قضية من محاكم ميدانية إلى محاكم عادية. وكان أن تم تبرئة هؤلاء المعتقلين على أساس أن محاكم الأمن لجأت إلى التعذيب وبذا تعد التهم باطلة، أو أن مدة الحكم المتوقعة قد قضيت أثناء فترة التوقيف، أو أعيد النظر ببساطة بالأحكام الصادرة مسبقا بأثر رجعي. وكان من أبرز من أطلق سراحهم آنذاك: أبو خالد السوري، الذي كان مع ابن لادن في أفغانستان”. ما سبق ملخص للصفحة 75 من الكتاب، لكن ما علاقته بمخيم اليرموك ونهايته المشؤومة؟ أرجو أن يكون في الجزء الخامس من هذه السلسلة ما يجيب عن كثير من الأسئلة.
يتبع.. 
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل