البرجوازية والثورة السورية

زكي الدروبي8 يونيو 2018آخر تحديث :
البرجوازية والثورة السورية

تحدثت في مقالة سابقة نشرت في “حرية برس” بعنوان: (بعد سبع سنوات على الثورة السورية 3-3) أن حكومات العالم استثمرت في فوبيا الإرهاب وألصقت هذه التهمة في الثورة السورية، لإبعاد التعاطف معها، ولأجل إيجاد ذريعة للتدخل المباشر في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

وأوضحت أن الحكومات الغربية دعمت المستبدين لأجل تحقيق مصالحها في نهب الثروات العربية، حيث استقرت منذ نهاية سبعينات القرن الماضي المعادلة التي تقول أنه يسمح للمستبد بالبقاء ونهب وقتل شعبه مقابل السماح لهم بنهب ثروات البلاد وفتح أسواقه أمام بضائع بلادهم، والباحث عن مناطق الأزمات وبقع الإرهاب في العالم الثالث، يكتشف تواجد ثروات باطنية مهمة من يورانيوم وذهب وبترول ومعادن وغاز وفوسفات و…الخ، وتقوم شركات غربية باستثمارها، وكان معيار تراكم المال لدى البرجوازية المحلية هو القرب من السلطة، حيث عملت كوسيط لتوزيع منتجات الشركات الغربية، ولم تعمل في الصناعة وبناء المنتج الوطني.

ففي سوريا عمل التجار السوريون شركاء النظام ككمبرادور، فأصبحوا وكلاء للشركات العالمية وكان من مصلحتهم ضرب المنتج الوطني، لتسويق المنتجات المستوردة من الخارج، أي لصالح البرجوازية الغربية، وقامت بتصدير ثروتها التي جنتها من سرقة شعبها إلى الخارج، إلى البنوك الأوروبية والغربية، أي تسرق الداخل لتعطي الخارج، وسمعنا الكثير من القصص عن ضياع ثروات المسؤولين الحكوميين الذين سرقوا شعوبهم في بنوك الغرب نتيجة لأسباب عدة، بينها الموت وبينها تجميد أرصدتهم، ومصادرتها لتحميلهم مسؤولية ضربات منظمات إرهابية ساهم الغرب نفسه في تأسيسها وتربيتها، في المقابل عملت البرجوازية الأوروبية على سرقة المستعمرات لتضخ الأموال المنهوبة في اقتصاد بلادها.

لهذا بني الاقتصاد السوري كاقتصاد طفيلي يعتمد على السلطة لاستمراره ونجاحه. ويمكن أن نقول أن الرأسمال السوري لم ينتقل للثورة السورية، بل بقي في معظمه في حضن النظام، فمعظم التجار الكبار تربوا في ظل هذا النظام الفاسد، واغتنوا نتيجة علاقتهم وقربهم منه، لهذا فالبرجوازية السورية هي جزء أساسي من هذا النظام، والحالات التي انتقلت للضفة الأخرى – وهي حالات استثنائية لا يمكن القياس عليها كعبود وطلاس مثلاً – لم تكن ابنة الثورة بالأساس، ولم تشارك في الثورة للأفكار التي انطلقت من أجلها، فهي ابنة فساد النظام، وقد كونت امبراطورياتها المالية في ظله، ونتيجة مشاركة أسرها في السلطة أو قربها منها، ولم تغتني نتيجة عملية اقتصادية طبيعية ناجمة عن المنافسة، وحركة آليات السوق التقليدية. أما أغنياء سوريا المغتربون فهم نتاج بيئتهم أيضاً، فالأغنياء السوريين في الخليج هم أبناء الاقتصاد الخليجي، وقد استفادوا من مرحلة ما من الأبواب المشرعة لهم بسبب انتماءهم لتيارات سياسية تبناها مشايخ وأمراء الخليج، واغتنوا نتيجة تقاطع المصالح معها، أي نتيجة قربهم من السلطة وليس نتيجة علاقات اقتصادية صحيحة. وأغنياء سوريا في أوروبا والغرب عموما كالأصفري وأمثاله فهم أبناء البرجوازية الأوروبية، أبناء حركته وآلياته وليسوا أبناء الاقتصاد السوري ولا يمكن أن نقول عنهم برجوازية سورية وطنية، فنجاحهم وغناهم يعود لذلك الاقتصاد الغربي وليس للاقتصاد الوطني السوري.

اليوم تحول الاقتصاد – المشوه أصلاً في سوريا قبل الثورة – في ظل الحرب الدائرة رحاها في سوريا لاقتصاد مافيوي، فقد تحول ضباط المخابرات، وقادة مليشيات المرتزقة، ومسؤولي نقاط التفتيش العسكرية، من فقراء معدمين إلى أغنياء مترفين، وذلك من خلال الأتاوات التي يتقاضونها على تمرير المواد للمناطق المحاصرة، والتجارة بينها وبين مناطق النظام، ومن خلال الرشاوي والبدلات التي يتقاضونها مقابل إطلاق سراح معتقلين أو مخطوفين.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل