أحمد الرحال – حرية برس
يشهد الجنوب السوري هذه الأيام أحداثاً متسارعة ويتصدر الواجهة السورية، بما يُثيره من تصريحات متضاربة بين القوى الإقليمية والدولية، ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن روسيا ستظل إلى جانب حكومة الاحتلال الإسرائيلي وتسعى لإنهاء التواجد الإيراني في سوريا، في سعي منها للاستئثار بالسيطرة على قرار نظام الأسد، في حين تشهد الأرض استعدادات كبيرة لمعركة ستكون حاسمة ومصيرية على ما يبدو، بين نظام الأسد وحلفائه من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى.
هذه المعركة ستكون مفصلية في مسار الثورة السورية التي دخلت عامها الثامن، وقد يكون مصيرها متوقفاً على نتائجها، لكون محافظة درعا لها رمزية خاصة، فهي مهد الثورة ومركز شرارتها الأولى. وأيضاً سيتوقف على هذه المعركة مستقبل المنطقة الجنوبية، نظراً لقربها من الأردن، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، اللتين تسعيان وبدعم دولي لإيجاد تسوية دائمة للمنطقة، تمنع في إطارها أي وجود للجماعات المسلحة والمليشيات الطائفية وتؤمّن حماية حدودهما البرية مع سوريا.
لقاءات مكثفة
ما يزال ملف الجنوب السوري يتفاعل بين الدول الخمس ’’روسيا وإسرائيل وإيران والأردن والولايات المتحدة‘‘ صاحبة المصلحة والقرار الأخير الذي سيطبق في المنطقة، وذلك مع تسارع وتكثيف اللقاءات والاجتماعات بين روسيا والاحتلال الإسرائيلي اللذين اتفقا على تسليم قوات نظام الأسد منطقة الحدود مع دولة الاحتلال والأردن مقابل إبعاد المليشيات الإيرانية عن الجنوب، وهو المطلب إسرائيل الأساسي.
ومن المرجح أن يعقد لقاء في العاصمة الأردنية عمان بهدف التوصل إلى اتفاقات بشأن نزع فتيل التوتر في منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا.
اللقاءات الروسية والإسرائيلية المكثفة، تفضي إلى أمرٍ واحد فقط، أن هذين الطرفين هما من سيفرض قراره على الأطراف المتبقية، كما يبدو لروسيا التي تدرك بأن إسرائيل هي القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على تدمير خططها، ولهذا سيكون الروس في صف الاحتلال، لا في صف الإيرانيين.
تقارير إخبارية روسية أوردت أن موسكو تريد إبرام اتفاق ينص على انتشار الشرطة العسكرية الروسية في المناطق القريبة من الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، منع أي وجود إيراني في جنوب سوريا، وهنا يمكن القول أن الروس قد وقفوا بجانب الطرف الذين يريدونه.
بينما قالت القناة العاشرة الإسرائيلية ’’إن اللقاءات الروسية الإسرائيلية أسفرت عن التوصل لاتفاق يقضي بالسماح لقوات الأسد بالسيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، من دون ذكر مصير الفصائل أو آلية سيطرة النظام على المنطقة‘‘.
الاتفاق الروسي الإسرائيلي نص على إبعاد ميليشيات إيران و مليشيا ’’حزب الله‘‘ عن الجنوب السوري، مع بقاء إمكانية تحرك قوات الاحتلال الإسرائيلي بحرّية داخل الأراضي السورية.
وتعتبر إيران تواجد قواتها في سوريا أمراً شرعياً، وجاء بطلب من نظام الأسد في دمشق ولن تخرج منها، وذلك رداً على مطالبات دولية لاسيما إسرائيل و أميركا بإخراج القوات الإيرانية من سوريا.
كما أنها تقدم دعماً سخياً لنظام الأسد من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية، حيث تتواجد قوات الحرس الثوري الإيراني دعماً لمعاركه ضد فصائل الثوار، كما تدعم طهران مجموعات عدة تعمل في الميدان، بعضها يعمل على حراسة المراقد الشيعية في سوريا.
ونفى وزير خارجية نظام الأسد ’’وليد المعلم‘‘ أي اتفاقات بخصوص الجنوب السوري وأنكر وجود أي قوات للمليشيات الإيرانية هناك، مطالباً بانسحاب القوات الأمريكية من منطقة “التنف” في البادية السورية.
فيما ادّعى ’’المعلم‘‘ بأن الاحتلال الإسرائيلي هو من خرق اتفاق فصل للقوات عام 1974، ومن روّج رواية التواجد العسكري الإيراني في الجنوب السوري عندما دعمت المجموعات الإرهابية، وغايتها في ذلك إقامة حزام أمني لها، على حد قوله.
وزعمّ ’’المعلم‘‘ بأن إيران ليس لها وجود عسكري على الأراضي السورية بل مستشارون يعملون إلى جانب قوات الأسد، معتبراً وجودها في سوريا شرعي لأنه جاء بطلب من النظام على عكس وجود الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا التي دخلت دون إذن حكومة النظام، حسب كلامه.
إلى ذلك، أيد ’’علي شمخاني‘‘ سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، جهود روسيا الجارية بشأن الجنوب السوري بقوله، ’’ندعم بشدة الجهود الروسية لطرد الإرهابيين من منطقة الحدود السورية الأردنية وجعل المنطقة تحت سيطرة الجيش السوري“.
كما نفى ’’شمخاني‘‘ بأن إيران لها مستشارين عسكريين لها في المنطقة، رداً على اتهامات إسرائيلية بأن إيرانيين يعملون في الجنوب السوري قرب حدودها، وذلك بعد أن دعت موسكو إلى إبقاء القوات الإيرانية وحلفائها بعيداً عن الحدود.
تأتي هذه التصريحات واللقاءات عقب مطالب روسية لجميع التشكيلات الأجنبية، مغادرة منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سوريا، على اعتبار أن المنطقة خاضعة لاتفاقات معروفة حول خفض التصعيد، بعد أن تم التوصّل إليها بين روسيا والولايات المتحدة والأردن.
حرب نفسية
يتبع نظام الأسد سياسة التضخيم الإعلامي بجميع وسائله، معتمداً هذا الأسلوب منذ 8 سنوات تقريباً، لترهيب النفوس وخلق الرعب في قلوب المدنيين والعسكريين المتواجدين في المناطق الخارجة عن سيطرته.
قاعدة حميميم الروسية في سوريا ﺣﺬﺭﺕ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺧﻔﺾ ﺍﻟﺘﺼﻌﻴﺪ ﻓﻴﻪ، ﺑﺤﺎﻝ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﻮﺍﺟﺪ ﻣﺘﻄﺮﻓﻴﻦ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ ’’ﺩﺍﻋﺶ‘‘ ﻭ’’ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ‘‘، على حد ﻭﺻﻔﻬﺎ.
نظام الأسد دعا أيضاً في منشورات أخرى إلى الابتعاد عن حمل السلاح والعيش في “أجواء أسرية سليمة”، والابتعاد عمن دفعوا المقاتلين للموت، وأنه ذيّل منشوراته بعبارة: ’’رجال الجيش العربي السوري قادمون، اتخذ قرارك قبل فوات الأوان‘‘.
بينما هدد قادة في الجيش الحر بدرعا في الأيام الماضية قوات الأسد بتحويل المنطقة إلى “مقبرة” لهم، في حال أقدمت على شن عملية عسكرية ضدهم في المنطقة.
كما حذروا من الدعايات الإعلامية العارية عن الصحة، معتبرين أن “الآلة الإعلامية لنظام الأسد تدسها من أجل إضعاف الروح المعنوية لأهلنا في الجنوب”.
أحد أكبر الفصائل في درعا، استعرض قواته وعتاده العسكري في المدينة، بالتزامن مع وصول حشود لقوات الأسد إلى منطقة مثلث الموت ومنطقة حضر في ريف القنيطرة، للبدء بعملية عسكرية في الأيام المقبلة.
وفيما تتجمع الحشود العسكرية لنظام الأسد في تلك المناطق دون القيام بأي عمل إلا أنها قد تكون تجهيزات للحظة الحسم والتي يترقبها النظام من الاجتماعات المكثفة بشأن الجنوب السوري، ولا أحد يعلم إلى أين ستفضي في نهاية المطاف.
وسبق أن حذرت الولايات المتحدة الأمريكية نظام الأسد من أنها ستتخذ إجراءات صارمة رداً على انتهاك وقف إطلاق النار في جنوب سوريا – منطقة خفض التصعيد – بعد ورود تقارير عن عملية عسكرية وشيكة للنظام في درعا والقنيطرة.
كما أن التنسيق بين روسيا والولايات المتحدة سيضمن انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، كما قال أحد المسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، “حتى لو تطلب الأمر بعض الوقت، وحتى لو كان ذلك يعني إعادة بسط سيطرة الأسد على حدود الجولان، ففي نهاية هذه المحادثات سيتم إزالة التهديد الإيراني من سوريا‘‘.
اليوم يترقب الجميع بما فيهم السوريون حلاً سياسياً يجنب من تبقى منهم في وطنهم دماراً شاملاً أو تهجيراً قسرياً جديداً كما حصل في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وشمال حمص، وحرباً مفجعة يستعد لها ثوار الجنوب الذين يفضلون الموت على ما سيلقونه من الإذلال إذا استسلموا لنظام الأسد أو انتصر عليهم.
ولا يوجد أي أمل بوجود حل سياسي يعيد لسوريا الأمن والأمان والاستقرار ويتخلص من نظام الإجرام ورموزه وحلفائه ومليشياته، ويفتح المجال لعودة اللاجئين والبدء بإعمار سوريا المدمرة، فلن يطمئن أحد إذا بقي هذا النظام الذي دمرها وشرد شعبها حاكماً لها.
عذراً التعليقات مغلقة