بسام الرحال – حرية برس:
لم يعلم الحماصنة أن شهر رمضان هذا العام سيقضونه هناك في الشمال السوري بعيداً عن بيوتهم، فرحلة التهجير التي أجبرتهم عليها نظام الأسد وروسيا بدأت قبيل دخول الشهر الفضيل بأيام معدودة، ليحلّ عليهم رمضان ضيفاً ثقيلاً في وضع أقل ما يُمكن وصفه أنّه مزري ويحمل في طياته المآسي.
فبين منطقة وأخرى، ومن مخيم إلى آخر يقضي المهجّرون حديثاً من أهالي ريف حمص الشمالي وقتهم بهدف البحث عن مكان للعيش بما يتناسب ودخلهم المحدود، وطمعاً بالمساعدات التي تقدمها المنظمات الخيرية وخصوصاً وجبات الإفطار للصائمين.
“وئام المحمد” أحد مهجّري الريف الحمصي ويقطن في مخيم أطمه الحدودي بريف إدلب يقول: “آمل أن أعود إلى بيتي قريباً لأن الحياة هنا جحيم لا يطاق، والخيمة التي أسكن بها أشعر أنّها تكتم على أنفاسي كل ليلة وأنا بداخلها، لاسيما أنّها المرة الأولى التي أبتعد بها عن أهلي في رمضان”.
يضيف “وئام” الشاب الثلاثيني والعبرات تخنق أنفاسه الحارة والمتعبة من حر الخيمة فوق رأسه: “أنا لا أستطيع أن أتناول الفطور وطفلاي “أوس” و”جنا” ليسا بقربي ويساعدان والدتهما في إحضار أطباق الطعام والماء البارد وضحكاتهما تملؤ أرجاء البيت وهما يتقاتلان أيّ منهما يحضر الطعام للإفطار، ويسألاني باستمرار ألم يحن الأذان بعد يا أبي؟، حينها كم كنت سعيداً وهما أمامي”.
يتابع “وئام” قائلاً: “أمّا هنا في المخيم فلا ترى إلا وجوه متعبه أنهكها النزوح ودموع تتساقط بحرقة مع أذان المغرب على واقع مرير أبعدهم عن أحبابهم وقطع بينهم السبل، فمعظم العائلات هنا تقسمت بين عدة مناطق، فنهم من بقى تحت سيطرة النظام، ومنهم من لجأ إلى المخيمات ومنهم من يستعد للدخول إلى تركيا للسفر إلى أوروبا هرباً من حرب شعواء لم يعد لديه القدرة على تحملها”.
ومن جهتها، تقول “أم محمد” وهي من مهجّري منطقة الحولة وتسكن حالياً بلدة سلقين غربي إدلب: “رحلت بعيداً عن بيتي وتركت قريتي وفيها قبور ولديي الشهيدين، وزوجي مغترب في دول الخليج وبناتي متزوجات كلّ واحدة منهن ذهبت إلى منطقة مع زوجها وابتعدن عني، ورمضان الذي كان يجمعني معهم في السنوات الماضية على سفرة الإفطار يأتي هذا العالم ولا أحد منهم حولي، وأنا في مكان ليس بيتي ولست مرتاحة فيه على الرغم أنّي بنعمة كبيرة مقارنة بعيشة المخيمات”.
تضيف “أم محمد” والدموع تفيض من عيونها وبصوت متقطع: “أتمنى أن ترجع الأيام واللحظات التي كنا نمر بها في رمضان خلال السنوات الماضية، عندما كان بيتنا يعمر بالسهرات من أقاربنا وجيراننا، وأصدقاء ولديي الشهيدين “محمد” و”ربيع” وصوت مزاحهما وضحكاتهما الذي كان يُزين بيتي ويبعث في قلبي الفرحة والسرور”.
أمّا “عدنان” فيقول: “فقدت معظم عائلتي في قصف قوات الأسد عندما كنت في ريف حمص الشمالي، وتبلّد إحساسي ولم تعد المآسي والمصائب تتمكن مني فقد تعود قلبي على الهموم وأصبحت لا أحزن على شيء لأنه لم يعد لدي ما أخسره”.
يتابع “عدنان” حديثه: “أعيش في مخيم ساعد في إدلب بمفردي، وآكل من المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية في المخيم ولا ينقصني شيء، ولا خطط لي للمستقبل سوى أني أنتظر الموت كي أرتاح للأبد وألحق بزوجتي وأطفالي، فما عاد نفس على العيش لأني دخلت موسوعة غينيس للمآسي وحان وقت الراحة”.
وختم كلامه ممازحاً: “أتمنى أن تكون راحتي في الجنة وأن لا يدخلني ربي النار، فأكون قد بدأت عذاباً من نوع آخر”.
ينتشر مهجّرو ريف حمص الشمالي في مختلف مناطق الشمال السوري، بين مدينة إدلب وريفها وأرياف مدينة حلب، مشتتين بين مخيمات اللجوء ومنازل مستأجرة بأسعار باهظة تزيد من أعبائهم، وعلى أمل بأن يجمعهم رمضان المقبل في ديارهم مرة أخرى.
عذراً التعليقات مغلقة