بعد سبع سنوات على الثورة السورية [2-3]

زكي الدروبي26 مايو 2018آخر تحديث :
بعد سبع سنوات على الثورة السورية [2-3]

استعرضت في الحلقة السابقة كيف وصل نظام عائلة الأسد للسلطة من خلال انقلاب عسكري، وكيف قتل الأسد الأب رفاق دربه ومؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الذي سطا باسمه على المجتمع واستخدمه كواجهة سياسية لمشروعه الاستبدادي، وأوضحت أن نظام عائلة الأسد لم يكن له من الاشتراكية ومقارعة الإمبريالية سوى استثمار الاسم، ولم يقدم للمجتمع والدولة السورية أي تطور، بل على العكس فقد ارتبط أعضاء عائلته بتجارة التهريب والتزوير وتجارة المخدرات والآثار، فدمر الاقتصاد الوطني السوري، وتسبب بخلل في توزيع الدخل الوطني منتجاً برجوازية طفيلية.

هذا الشكل من أشكال تراكم الثروة وازدياد الفساد الذي تشابه مع كل البلاد العربية، خلق احتقاناً في الأوساط الشعبية، وكانت الظروف الموضوعية جاهزة لانطلاق الربيع العربي في تلك البلدان، وفي أول شرارة خرجت الناس في مظاهرات سلمية راقية عبرت عن المحتوى الحضاري المتراكم عبر آلاف السنين في هذه البلدان، تطالب بالديمقراطية والحرية من هذه الأنظمة المستبدة، وبإعادة توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، وإعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة.

نجحت هذه الموجة في اسقاط رأس النظام في تونس وليبيا واليمن ومصر، وأخفقت في التحول نحو النظام الديمقراطي، في ظل غياب كامل للأحزاب الوطنية والأحزاب اليسارية عن الفعل السياسي، فقد التحق عدد من الأحزاب الشيوعية التقليدية بركب الأنظمة المستبدة بانتهازية واضحة، واستخدمت مبررات غير منطقية لتغطية هذه الانتهازية، فقد عبر بعضهم عن خوف غير مبرر من تيارات الإسلام السياسي، والتي أثبتت التجربة أنها ستخسر أول انتخابات تجري بعد وصولها للحكم، نتيجة اعتمادها على شعارات تدغدغ مشاعر الناخبين في الدورة الأولى، دون أية برامج سياسية حقيقية. واستخدمت الأحزاب الشيوعية الانتهازية تبريرات أخرى لنهجها، كوقوف تلك الأنظمة بوجه الإمبريالية الأمريكية، ناسين تعاملهم وخضوعهم دوماً لهذه الإمبريالية، معتبرين أن النظام البوتيني في روسيا خليفة للاتحاد السوفيتي، وهو في الحقيقة نظام إمبريالي برئاسة ضابط مخابرات سابق.

في تونس عاد رموز النظام السابق للحكم عبر صناديق الانتخاب، لأسباب عديدة منها حالة الضعف الموضوعية التي تعتري الأحزاب التونسية المعارضة، وتدخل بعض الدول التي تخشى من موجة الربيع العربي كدولة الإمارات، ودعمها لهذه الشخصيات. ولم يقدم النظام التونسي الجديد أية حلول حقيقية للمشاكل المتراكمة بسبب النظام المستبد الذي خرجت الثورة التونسية عليه، بل أمعن في زيادة الضرائب ورفع الأسعار، وازداد الفقر ونسبة البطالة، وعادت المظاهرات المطلبية الغاضبة، وفي مصر عاد العسكر للحكم بزعامة ضابط مخابرات عبر انقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب، بينما حصلت الفوضى في اليمن وليبيا، وفي سوريا تحولت الانتفاضة الشعبية التي خرجت لحرب مدمرة، قادها نظام الأسد الابن على شعبه، واستجلب كل المليشيات والدول لحماية عرشه، فانتشرت عشرات المليشيات الطائفية والقومية في سوريا بدعم ورعاية النظام، بل وزاد عليها مؤخراً المرتزقة الروس الذين كشف النقاب عنهم من خلال الضربة الجوية الأمريكية التي استهدفتهم، حين اقتربوا من مقر عسكري تابع للأمريكان، وتسببت الضربة العسكرية بمقتل المئات منهم.

كان من أسباب تعثر الانتفاضات العربية، عدم نضج الأحزاب السياسية، نتيجة ظروف القمع الشديد الذي مورس على الشعوب العربية، وغياب السياسة، حيث دفعت الأنظمة الحاكمة المجتمعات العربية إلى التفتت لمكونات ما قبل سياسية، كي يسهل السيطرة عليها من خلال رموز هذه المكونات، فأصبحت الانقسامات تبدأ بالمذاهب الدينية (سني شيعي علوي …) وتمر بالطوائف (مسيحي مسلم …) وبالقوميات (عربي كردي تركماني …) ولا تنتهي بالمناطق والأحياء (ريف ومدينة، الأحياء ضمن المدينة الواحدة، المدن المتقاربة في الأرياف …)، وساهمت قوى الثورة المضادة المدعومة من دول العالم التي تدعي الديمقراطية والحرية في تعزيز هذه الصراعات، من خلال دعم الأنظمة المستبدة ومن ثم دعم الثورات المضادة التي حاولت وأد الربيع العربي فيما بعد، وظهر هذا جليا في دعم الانقلابات التي حصلت في عدة دول من دول الربيع العربي (مصر وليبيا).

الصراعات والحروب، وغض النظر عن التدخلات الإقليمية، ودعم الأنظمة المستبدة، والقهر الذي تعرض له اللاجئون الهاربون من الموت في سوريا في البلدان المجاورة، وانعدام الأفق أمام أي حل سياسي أو عسكري للوضع، ساهم إلى حد كبير في موجة الهجرة الكبيرة التي شهدها العالم من دول الجنوب إلى دول الشمال، هذه الهجرة الكبيرة وفي ظل تراجع دور اليسار عالمياً، وتوقف تطوره الفكري، أثمرت عن نجاحات للقوى اليمينية المتطرفة في أوروبا والعالم الغربي بشكل عام، والتي استثمرت العمليات الإرهابية التي حصلت في أوروبا، واتهمت اللاجئين السوريين بتنفيذها، ودعت لطردهم من أوروبا، ولا نزال نذكر الإخراج السيء لهذه المسرحيات الهزلية، خصوصاً في العملية الإرهابية التي حصلت في فرنسا، حين وجدوا بجانب جثة الإرهابي المتفحمة من الانفجار، جواز سفر سوري، ويعيد هذا الإخراج السيء الذاكرة بنا إلى تفجيرات حي الميدان الارهابية، ووجود دلو اللبن بمنطقة التفجير لم يمسسه شيء، واستثمرت الاحزاب اليمينية الرجعية المتخلفة في هذه الفوبيا (فوبيا الإسلام وفوبيا المهاجرين)، لتحقيق مكاسب سياسية آنية بدلاً من التفكير باستثمار هذه التعددية الثقافية لتطوير بلادهم، هذه الأحزاب تعيش وتنجح في ظل استثمار مخاوف الناس، وحققت نجاحات ملفتة للنظر، ففي فرنسا نافست على زعامة الجمهورية التي أهدت للعالم ثورتها الخالدة في التاريخ، وفي الولايات المتحدة نجح السيد ترامب في الوصول لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية.

يحدث هذا في ظل سيطرة وسائل الاعلام على أدمغة البشر، وتوجيههم يمنة ويسرة حسب مصالح رأس المال المالك أو المتحكم في هذه الوسيلة الإعلامية، وفي ظل اختفاء الأخلاق من السياسة، وبحث الحكومات عن مصالحها الخاصة بعيداً عن الأيديولوجيات والأفكار السياسية التي تعتنقها الأحزاب الموجودة في السلطة، وتخلف الأحزاب الاشتراكية والنقابات العمالية عن دعم الربيع العربي، بل دعم وتشجيع الحكومات الأوروبية للمستبدين، وفي ظل تحالف غير معلن بين أنظمة الاستبداد الآنفة الذكر وبين تلك الحكومات، وهذا يذكرني بموافقة نقابات العمال في أوروبا الغربية على الحرب العالمية الثانية لتحقيق فائدة للرأسمالية الغربية، وهو ما أسماه لينين في حينه سقوط الأممية الثانية.

في دول الجنوب، ونتيجة هذه الصراعات المدمرة، واستثمارها من قبل الأنظمة المستبدة القاتلة لشعوبها الناهبة لثروات بلادها، وبسبب ضيق الأفق أمام الناس والجهل الكبير الموجود، انتشرت التيارات المتطرفة، سواء أكانت تيارات دينية كالإسلام المتطرف بشقيه السني “جبهة النصرة وداعش” أو الشيعي “حزب الله والمليشيات العراقية المذهبية” أو تيارات قومية مثل “بي كا كا” و”ب ي د”، والتي استثمرت من قبل الإمبرياليات العالمية المختلفة في سبيل تحقيق مزيد من النهب، وتثبيت أركان الأنظمة المستبدة، وتطويعها وتحويلها لخادم مطيع بعد أن كانت شريك لها.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل