صفقة «بوتين» المرفوضة للعمل مع «الأسد»

فريق التحرير1 يونيو 2016آخر تحديث :

poten.obama
* فريدريك هوف

فى ٢٠ مايو الجاري، تقدم وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، باقتراح يدعو إلى تنسيق أمريكي- روسي لشن ضربات جوية ضد مواقع جبهة النصرة فى شمال غرب سوريا. وقال «شويجو»، وبلباقة، إن هذا الاقتراح كان قد تم بالتنسيق مع نظام الأسد في دمشق.

تمثل مبادرته الطلقة الأولى فى محاولة تبذلها روسيا من أجل عقد شراكة عسكرية بين واشنطن والنظام العميل لها في دمشق، وهو عرض جيد يستحق رفضه.

فى الواقع، أدى وجود «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» فى سوريا وسط جماعات مسلحة تحارب (على خلاف داعش) نظام الأسد، إلى تعقيد الجهود التى تسعى لتحقيق وقف حقيقي للأعمال العدائية فى سوريا.

كـ«داعش»، لم يكن تنظيم جبهة النصرة جزءاً من اتفاق وقف العمليات العدائية، ولا هو مستفيد من بنود حمايتها المشبوهة حتى الآن. فقد استخدم كل من نظام الأسد والروس إدراج اسم جبهة النصرة على قوائم الإرهاب، كذريعة لقصف مناطق سكنية مدنية، ومواقع لجماعات مسلحة وطنية سورية أخرى.

ومن شأن جر سلاح الجو الأمريكي إلى مثل هذا التعهد أن يكون إنجازاً مهماً بالنسبة لموسكو.

الهدف الروسي الرئيسي يكمن فى تسهيل دخول واشنطن فى شراكة مع بشار الأسد لمحاربة الإرهاب: تجسيد (من وجهة نظر روسيا) «الدولة» التى تعهدت موسكو بإنقاذها، ليس فقط من «الإرهاب»، لكن كذلك من فكرة تغيير النظام المزعومة على جدول أعمال الولايات المتحدة.

وركز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتينن على هذا الموضوع فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر٢٠١٥، قبل تدخله العسكري فى سوريا لصالح الأسد.

ورغم أن السلوك الفعلي لإدارة أوباما تجاه الأسد يكذب أى مصلحة أمريكية رسمية فى تغيير النظام بالقوة، لكن بوتين يتظاهر بأن ذلك التهديد حقيقي. وسلبية الإدارة تجاه عمليات القتل الجماعي التى ترتكبها قوات الأسد بمساعدة روسيا، تساعد زعيم الكرملين فى الاعتقاد أنه يستطيع، باسم «إنقاذ الدولة»، تحقيق ما أصر الغرب مراراً على أنه أمر مستحيل، وهو الحل العسكري فى سوريا.

ومع ذلك، يسعى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيرى، لإيجاد أرضية مشتركة مع روسيا بشأن الانتقال السياسي الذي لا يشمل الأسد، ويتم التفاوض عليه بإجماع سوري.

هل يمكن التوصل إلى أرضية مشتركة عندما ترى موسكو فى الأسد تجسيداً لدولة تحاول إنقاذها، فى حين تراه واشنطن «مجرم حرب»، وأكبر مصدر لتجنيد مقاتلي «داعش» فى المنطقة؟

نظرياً، يمكن للمرء أن يتصور التوصل إلى وضع مربح للجانبين من نوع ما. الرئيس أوباما يمكن أن يعطي نظيره الروسي ما يريد، اعترافاً منه بأن بشار الأسد هو الرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية (شىء تعترف به الولايات المتحدة على أى حال)، واستعداده للعمل مع الأسد وروسيا عسكرياً ضد الإرهابيين فى سوريا، ربما بداية بـ«داعش».

ويمكن أن يعطي «بوتين» نظيره الأمريكى ما يفترض أنه يريده، أى أن يضمن أن يترك الأسد السلطة مع قرابة ٥٠ من كبار مجرمي النظام بسوريا.

ربما يحصل «بوتين» على بعض حقوق التفاخر لأنه هزم، فى سوريا، نظام الجهاد الذي زعمت واشنطن تغييره. يمكن أن يزيح باراك أوباما النظام، ويقيم الحكم الانتقالي فى دمشق الذى ربما يستند فى جزء منه إلى الحكومة السورية الحالية (باعتبارها مختلفة عن النظام).

المشكلة الرئيسية مع مثل هذا الترتيب، أن تكون هناك احتمالات نسبية لـ«الإنجازات» التى يتم تحقيقها فى الواقع. الإعلان الأمريكي سيكون فى ظاهره امتيازاً يرضي موسكو.

فهل تستطيع موسكو إبعاد كل المسؤولين عن انهيار الدولة السورية، وبروز «داعش»، وهم «آل الأسد» وحاشيته، مع عدم وجود ما يثبت أن الأسد مستعد للتنحي؟

وهناك إيران التى ترفض خروج الأسد من السلطة، لما يمثل وجوده لها من تأكيد سيطرتها على دمشق، ومن ثم على بيروت، من خلال حزب الله.

ويظن بعض السوريين أن مقتل مصطفى بدرالدين مؤخراً فى دمشق كان من تدبير روسيا، وأن اغتياله كان رسالة إلى النظام وإلى إيران، بأنه عندما يحين وقت فتح ملف الأسد، فإن موسكو هى المكلفة بالمهمة.

ووجهة النظر هنا هي أن موسكو ربما ليس لديها النية ولا القدرة على التحرك لإزاحة الأسد وفريقه الحاكم. وكما نوقش سابقا، فتركه داخل البلاد، حتى مع تقليص سلطاته القانونية، يجعله على الورق ما يعادل الملك دستورياً، وهذا من شأنه أن يغذي ويدعم استمرار الفوضى والكوارث. رغم أن الأسد هو وصمة عار على سمعة روسيا فى المنطقة وأوروبا، ويبدو أن «بوتين» استثمر تماماً فى فكرة أن السوريين- شعب كامل يعيش تحت رحمة المجرمين الجشعين المدججين بالسلاح سواء كانوا من النظام، أو جبهة النصرة، أو «داعش»- هم من يجب أن «يقرروا». ولهذا السبب، رفض «بوتين» قرار الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، الذي أمكن التوصل إليه فى جنيف عام ٢٠١٢، حول تطبيق حل سياسي فى سوريا.
وقبول العرض الروسي من أجل شن عمليات أمريكية- روسية مشتركة ضد جبهة النصرة، لن يؤدي سوى إلى إفقاد أمريكا ما تبقى من مصداقية فى سوريا، وفي المنطقة وأوروبا والعالم.. إنه عرض مرفوض.
* نقلاً عن مجلة «نيوزويك» الأمريكية
* فريدريك هوف: دبلوماسي أميركي ومسؤول سابق لملف سوريا

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل