دقات القلب يمكن سماعها ودموع محبوسة إذا ما انفجرت قد لا تتوقف، من أصعب اللحظات والمواقف التي قد تواجه الإنسان حينما يقال له ستخرج من بيتك مرغماً تاركاً وراءك أحلى الذكريات وأجمل أيام العمر لتذهب في رحلة نزوح إلى المجهول دون أن تعلم ماذا ينتظرك.
السؤال الذي يراودني في رحلة نزوحي والذي راود الكثيرين من قبلي، هل من عودة؟ هل سنشاهد منزلنا الذي تركناه؟ نعم كان سؤالاً صعباً و جوابه أصعب حينما يمرّ في الخاطر بأنه لا يمكن العودة، نظرت لبيتي وحارتي وفي قلبة غصة ودموع حاولت حبسها أمام جيراني ممن تركتهم ورائي ولكن في النهاية خرجت دموع القهر، فمهما كان الإنسان قوياً لا يمكن أن يحبس دموعه في هذه اللحظات، بكى جاري وبدأ الجميع بالبكاء وفي هذه اللحظة تأكدت من صحة المقولة “إذا نزلت دموع الرجال فاعلم أن الأمر جلل”.. غادرت منزلي وأنا أدعو الله بأن تكون العودة قريبة وفي داخلي صراع بين متفائل بالعودة ومتشائم.
مررت بقرى ريف حمص الشمالي والتي لم يكن فراقها عندي أهون من فراق منزلي ففي كل قرية ذكرى مؤلمة لمجزرة أو قصف أو تدمير وكنت أناظر تلك المشاهد لريفنا الحبيب الذي لطالما كان أعز أصقاع الأرض على قلبي. نظرت في عيون جميع المهجرين وأحسست بألمهم لأنه مشترك، ففي داخل كل واحد منهم قصص يرويها على الطريق و ا يتمنى الوصول لنقطة الصفر والتهجير الذي لا يمكن وصفه بكلمات وأقل ما يمكن وصفه بخروج الروح من الجسد.
بدأت رحلة النزوح نحو المجهول ودخلنا في مدينة حما حيث فوجئت بأناس يعيشون حياتهم دون أن يكون لديهم إحساس بأناس كان من المفترض أن يكونوا أخوة لهم حوصروا على مدى ستة أعوام، وأكثر ما يثير الغضب هو تجنيد الشباب لصالح الظالم. بدأنا بالمرور بين القرى والبلدات والوجهة كانت الشمال السوري المحرر، وعلى الطريق كان الموالون للنظام يرشقون الحافلات بالحجارة معبرين عن حقدهم وكرههم لمن قال لا للظلم، حاملين في أيديهم البوط العسكري الذي يعشقون البقاء تحته أذلاء من أجل أن يبقى قائدهم الخائن لبلاده والذي أدخل كل محتلي العالم من أجل البقاء على كرسيه، وهنا يدور في الأذهان سؤال لتلك الثلة الغبية من موالي نظام الأسد: هل تعلمون بأن جميع شبابكم تحت أمر الروس ولا يمكن أن يحركوا ساكناً دونما أوامر منهم؟
كان الطريق شاقاً وطويلاً وفي نهاية المطاف وصلنا للمناطق المحررة لتبدأ رحلة جديدة سالكين طرقاً مختلفة وهنا تفرق الجميع حيث سلك كل واحد منا طريقاً ليبحث عن مكان يأويه ووطن مسلوب، سلبه الغزاة وشارك في قتله أبناؤه. نعم خرجت الروح من الجسد لكن الكل يملك الأمل بالعودة قريباً.
عذراً التعليقات مغلقة