روسيا.. القاتل الأكبر في العالم، وبائعة الموت المتجلي بمشتقات “الكلاشنكوف” وأخواتها، وصولاً لصواريخ كاليبر البالستية، والتي جعلت بلادنا بأكملها مسرحاً لتجريب أسلحتها ومرتعا لمرتزقتها المهووسين بالقتل. وبفائض من القوة والإجرام تسعى للبحث عن استعادة مجد مضى، وموقع استراتيجي في المعادلة الدولية، مدفوعة بأحلام الهيمنة، وهي ﺗﺮﻯ في ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﻮﺓ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﻻًﻋﺒﺎ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ من القوة، ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻬﺎ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ بذلك.
ﻭﻗﺪ ﺷﻜﻠﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟثورة السورية ﺗﺤﺪﻳﺎً ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺳﻴﺔ، ﺇﺫ ﻫﺪﺩ سيطرة الثوار السوريين على معظم الأرض السورية نفوذ روسيا في ﻣﻌﻘﻞها الوحيد والأخير ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، ﻭﺍﻟﺬﻱ تجلى ﻣﻨﺬ بداية ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎﺕ في قاعدتها العسكرية في ﻣﻴﻨﺎﺀ ﻃﺮﻃﻮﺱ. وشكلت حاﺟﺔ روسيا باﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ موقع نفوذها هذا دافعاً أساسياً ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺭﻭﺳﻴﺎ في العام 2015 ﻗﺮﺍﺭﺍً ﺑﺎﻟﺘﺪﺧﻞ العسكري ﻓﻲ سوﺭﻳﺔ، ﻭﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ، ﺗﺮﻛﺰﺕ ﻣﻌﻈﻢ ﺟﻬﻮﺩ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻋﻠﻰ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ، ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻛﺎﻧﺖ كبيرة.
ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﺧﻼﻝ الثلاثة أعوام الماضية ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻃﻮﺱ، ﻭﺗﺄﺳﻴﺲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺟﻮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻼﺫﻗﻴﺔ “حميميم”، ﻭﺍﻟﺒﺪﺀ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﻨﺸﺂﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻧﺸﺮ ﻗﻮﺓ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺃﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻋﻘﺪ ﻃﻮﻳﻞ ﺍﻷﻣﺪ ﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺣﻤﻴﻤﻴﻢ ﺍﻟﺠﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﻏﺮﺏ ﺳﻮﺭﻳﺔ، فضلاً عن بيع الأسلحة وتجريبها في سورية.
كيف أصبحت سورية متجراً للأسلحة الروسية؟
نظرت القيادة الروسية إلى سورية على أنها “معرض مفتوح” لاستعراض الآلة التدميرية الروسية الهائلة، وعرض ميزاتها الفنية والتعبوية والإجرامية للزبائن في كل العالم، وجاءت تصريحات مسؤولين روسيين كثر لتثبت هذا التوجه الروسي الانتهازي على حساب دماء وممتلكات السوريين، وعلى حساب سيادتهم على أرضهم، بما في ذلك إهانة رئيس النظام الذي قدم للروس مبرر تدخلهم في سورية، ففي ديسمبر كانون الأول من العام 2017 م استقبل بشار الأسد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم العسكرية، سلم عليه والتقطت الصور لهما، وعندما حاول اللحاق ببوتين للوداع منعه الجنود الروس، في مشهد تابعه العالم أجمع، ولاينساه السوريون، وخاصة المؤيدين منهم لنظام الأسد، وكان المشهد أبلغ من أي وصف يمكن التعبير فيه عن الإذلال، كان المشهد يختصر حقيقة أن بوتين يفرض سيطرته على هذه الأرض غير عابئ بأحد.
تاريخياً كان النظام السوري أحد أكثر الأنظمة المستهلكة للسلاح الروسي في الشرق الأوسط، أسلحة بالمليارات لم يستطع حافظ الأسد ولا ابنه بشار تسديد ثمنها حتى جاء العام 2005 لتسقط روسيا ديون صفقات تسليح سابقة بقيمة حوالي 10 مليارات دولار، آنذاك فرح الأسد الابن ولم يكن يعلم أحد أن الثمن الحقيقي سيدفعه السوريون لاحقاً بدمائهم.
ومع اندلاع الثورة السورية في العام 2011 فتحت أبواب مخازن السلاح الذي كاد يصدأ وأخذت حمم موسكو تنهال على المدن السورية الثائرة بلا أي رحمة، وكان الدور الروسي مقتصراً على الدعم الفني في البداية، لاحقاً خسر الأسد السيطرة على أكثر من 80% من التراب السوري وبدا أن السلاح الروسي خذل نظام دمشق، وكان لابد لموسكو من عملية استعادة هيبة ترسانتها العسكرية القديمة والمهزومة، وكانت البداية في أيلول/سبتمبر من العام 2015، حين توسل الأسد النجدة من بوتين ليتدخل عسكرياً، وهنا لاحت الفرصة الذهبية للروس كي يعودوا إلى مسرح الأحداث الدولية كفاعل قوي، ويجربوا أكبر قدر من العتاد العسكري الذي تنتجه مصانعهم، وأدرك الروس أن عيون المشترين ستجد فرصة للفرجة على عتادهم في ميادين القتال، ولم تتأخر روسيا في عرضها الدموي، فقد بدأت مقاتلات السيخوي الحديثة بإلقاء حممها على السوريين عبر غارات متلاحقة، في الوقت الذي كانت فيه صور الأقمار الصناعية تلتقط وصول أرتال من الدبابات الروسية الشهيرة تي 90، وتعتبر هذه الدبابة الأشهر داخل الجيش الروسي الذي بدأ استخدامها في العام 1993 بعد تطويرها، حيث اعتبرت أول دبابة مابعد سوفييتية، وصلت الدبابات إلى اللاذقية في قاعدة حميميم العسكرية واستعد الروس لتجربة الإصدار الجديد على أجساد السوريين وبيوتهم، هذا الإصدار الذي باعته روسيا إلى دولتي الهند والجزائر وبعد تجربته أبدت المملكة العربية السعودية استعدادها لشرائها أيضا بعدما أثبتت نجاحا في المختبر السوري، ولم تتورع الشركة المصنعة للدبابة أورال فاغون زافود عن المفاخرة بكل جرأة ووقاحة أنها اختبرت هذا النموذج المتطور في أحدى الدول العربية ولديها خطط لتصديره إلى المنطقة، وكانت هذه الضربة الرابحة بداية فقط لروسيا، التي أعلنت لاحقاً عن اختبارها أكثر من 200 سلاح جديد في سوريا مما ساهم في كشف عدد من العيوب في الأسلحة الجديدة بحسب وزارة الدفاع الروسية.
حصاد غنائم بيع الأسلحة الروسية
مردود آلة القتل الروسية في سورية جاء سريعاً، لينعكس طلباً متزايداً على مبيعات الأسلحة الروسية بعد عام واحد فقط من بدء جرائم الأسلحة الروسية بحق السوريين، فقد سجل الطلب عليها أعلى مستوى له منذ العام 1992، وتوقع الرئيس الروسي في العام 2016 توقيع عقود لتصدير الأسلحة الروسية بقيمة تتجاوز 56 مليار دولار بعد تدخله في سورية. في حين قدرت تكلفة الحملة كلها نصف مليار دولار فقط، فقد كانت روسيا تصدر في العام 2015 أسلحة لسوق الخارجية بقيمة تزيد قليلاً عن 14،5 مليار دولار، وفي العام 2013 و2014 لم تتجاوز المبيعات 10،3 مليار دولار في سوق سلاح عالمي تحتل به المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
توجهت الأسلحة الروسية التي استعرض جيش بوتين قدراتها والمستخدمة في سورية فورا إلى دول المنطقة وخارجها كالجزائر وباكستان والهند واندونيسيا وصولا إلى أمريكا اللاتينية. مع استمرار الاستهلاك الأضخم للتنين الصيني.
موت السوريين في المختبر الروسي
لقد قضى في فبراير /شباط من العام 2017 مابين 8324 و 11282 مدنياً سورياً على يد روسيا خلال تلك الاختبارات الدموية للأسلحة الروسية والتجارب الحية، وكانت المشافي والبنية التحتية أهدافاً مفضلة للقصف الروسي فلقد دمرت مايقارب 119 منشأة طبية و47 فرداً من الكوادر الطبية قضوا ضحية الاختبارات القاتلة، ونزح ما لا يقل عن 2،3 مليون سوري هرباً من جحيم الأسلحة الروسية، ورغم أن التدخل المعلن كان بذريعة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلا أن التركيز الروسي كان منصباً على استهداف مناطق الثوار والفصائل الإسلامية المعارضة بترسانة أسلحتها الاستعراضية بنسبة 85% من أهدافها، في المقابل 15% فقط من الهجمات الروسية استهدفت مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، لتكون 3 أعوام من العدوان الروسي ليست أكثر من مرحلة تجارب لأسلحة روسيا في مختبر بمساحة 180 ألف كليو متر مربع اسمه سورية، وكأن لسان حال بوتين يقول لجنده: دمروا بكل قوة لنبيع ونجرب أسلحتنا أكثر.
وزادت رغبة الروس في إشعال الجحيم في سورية أكثر فأكثر بزيادة قدرة هجماتهم التدميرية المستخدمة فاستعملوا أنواعا مختلفة من القنابل شديدة الإنفجار مثل القنابل العنقودية المحرمة دولياً التي استخدمت ما لا يقل عن 212 مرة بالإضافة للذخائر الحارقة التي استعملت ما يزيد عن 105 مرات في إدلب وحلب فقط.
ما دفعته روسيا في حربها على السوريين لم يكن إلا لضمان مصالحها، والملايين القليلة التي دفعتها كانت ثمناً بخساً لإقامة عرض عسكري حي، بهدف إسالة لعاب الزبائن من الدول وسماسرة السلاح في المنطقة على ترسانتها العسكرية المدمرة، وبهذا أشبعت رغبتها بقتل الشعوب والربح من تجارة السلاح على أجساد السوريين وجعلهم حقل تجارب، في جريمة أكثر بشاعة من كل ما يمكن أن يقال عن رغبتها الجارفة في استعادة هيبتها كدولة عظمى والحفاظ على آخر مواقع نفوذها في الشرق الأوسط، مخلفة في نفوس السوريين أحقاداً لن ينسوها قريباً.
عذراً التعليقات مغلقة