دخلت الثورة السورية عامها السابع مع استمرار العالم بالصمت تجاه المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، وهذه الدماء التي سالت تستدعي منا وقفة قصيرة لاستذكار ومناقشة ما الذي حصل؟ لماذا انطلقت الثورة السورية؟ وهل هي رفاهية وتقليد لبلدان الربيع العربي التي سبقتها؟ أم أنها مؤامرة من دول امبريالية تريد الاطاحة بنظام اشتراكي معادي لها؟ وهل هناك ظروف ذاتية موجودة دفعت بالشعب للانتفاض على النظام الحاكم؟ وما هي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت متواجدة قبيل انطلاقة الثورة؟
أعتقد أن علينا أن نفكر في الأسئلة السابقة بشكل عقلاني بعيداً عن العواطف والشعارات المجردة، فرئيس النظام الحالي بشار الأسد ورث الحكم عن والده الذي جاء للحكم بانقلاب عسكري دموي قتل فيه أقرب المقربين له، وقتل الأساتذة المؤسسين لحزب البعث كصلاح الدين البيطار، وأمسك البلد بقبضة من حديد، فتشدد في تطبيق الأحكام العرفية وقانون الطوارئ المعمول به منذ انقلاب الضباط البعثيين في 8 آذار 1963، فكمم الأفواه ومنع النشاط السياسي، وحلّ النقابات، وأقفل الصحف الحرة، ووزع الموالين له على الصحف الحكومية بعد أن أفرغها من كوادرها الأصلية عبر الاعتقال أو التصفية أو التهجير أو التسريح.
نظام لم ينفذ من الاشتراكية أي شيء، بل أوقف تطور المجتمع بشكل كامل، ولم يبني معملاً واحداً أو منشأة اقتصادية واحدة، وأوقف الاستيراد وشجع على التهريب، وبنى أباطرة التهريب من أفراد عائلة الرئيس أموالاً طائلة من التهريب أولاً ثم من تزوير المواد المهربة، فقد كان خال الرئيس يملك باخرة تقف قبالة السواحل السورية، تصنّع (بضم التاء وفتح الصاد وتشديد النون) السجائر من أسوء أنواع التبغ، وتضع عليه أسماء الماركات المشهورة “مالبورو ووينستون وكنت و..” وتدخله لسوريا تهريباً عبر موانئ خاصة بها، تحت علم ونظر النظام، وأجهزة الدولة العاجزة عن أي تحرك لوقف هذا الفساد بسبب سيطرة العائلة وأجهزتها الأمنية عليها، كما شاركت عائلة الأسد أيضاً بتجارة المخدرات، ونشاطهم وتعاونهم مع حزب الله ومزارع الحشيش المخدر في البقاع اللبناني معروف ومشهور، وقد كتبت عنه الصحافة العالمية مرات عديدة، وتوجد تقارير كثيرة تؤكد ضلوع حزب الله بتجارة المخدرات الدولية، ولها نشاط أيضاً بتجارة الآثار عبر صناعة نماذج مقلدة عن الآثار الأصلية، ووضعها في المتاحف وبيع الآثار الأصلية.
ارتبط التطور الاقتصادي في سوريا بالقرب من العائلة الحاكمة، فكان مصدر الأموال هو القرب من السلطة وليس عبر الانتاج، وهو أسوأ أنواع التراكم الرأسمالي، وبهذا تكونت طبقة طفيلية لم تنتج أي شيء لسوريا بل أمعنت تخريباً بمنشآتها الاقتصادية الموجودة من قبل وصول الأسد الأب للحكم. هذا الارتباط سمح للفساد بالانتشار وشجعت السلطة عليه، ففي مدينتي حمص، تعاقب عدة مديرين على شركة معامل الأسمدة، وفي كل مرة كان المدير يدخل إلى الوظيفة فقيراً معدماً، ثم يخرج من الوظيفة وقد أصبح واحداً من كبار أغنياء البلد.
هذا الشكل من أشكال تراكم الثروة، أنشأ طبقة البرجوازية الطفيلية الذي تماثلت في كل بلدان الربيع العربي، فكونت ثروات أسطورية استقرت في أيدي العائلات الحاكمة وأقربائها، كآل طرابلسي في تونس، وآل مبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وآل الأسد ومخلوف في سوريا ..الخ.
تعاون نظام الأسد الأب مع الولايات المتحدة الامريكية الإمبريالية، فقد شاركت قواته في حرب الخليج الأولى إلى جانب القوات الأمريكية ضد دولة العراق المحكومة من حزب البعث أيضاً، وهو حزب اشتراكي كما يدعون، فكيف يقاتل دولة اشتراكية إلى جانب دولة امبريالية؟!.
لم تختلف سوريا عن بقية الدول العربية التي خرجت بها انتفاضات تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتي سميت بالربيع العربي، فسوريا كما بقية الدول العربية استقر بها نظام فاسد ينهب الشعب، ويعتمد على الأجهزة الأمنية لمنع أي حراك شعبي، حتى لو كان حراكاً مطلبياً، وفي سوريا يحتفل العمال بعيدهم في الأول من أيار بيوم عمل مجاني يهدونه للقائد زعيم الأسرة الحاكمة. ولسوريا خصوصية أكبر من باقي دول الربيع العربي، وتتمثل هذه الخصوصية في شدة القمع الموجود، فقد زج نظام عائلة الأسد مئات آلاف المناضلين والسياسيين في المعتقلات، وأعدم الآلاف من شباب سوريا في المعتقلات، ومنع بعنف أي تحرك شعبي سياسي أو مطلبي، وأي اجتماع سياسي. بل أكثر من ذلك، فلقد كانت قراءة نشرة معارضة تهمة يعاقب عليها القانون.
هكذا استقر نظام عائلة الأسد منذ سبعينات القرن الماضي، نظام ينهب شعبه ويقتله، ويتحالف مع الإمبريالية التي تنهب ثروات الوطن.
عذراً التعليقات مغلقة