الخطأ الناجم عن الخوف من الخطأ

دارا عبد الله16 مايو 2018آخر تحديث :
الخطأ الناجم عن الخوف من الخطأ

ما هي الدوافع الأساسية لمواقف الإدارة الأميركية من الأزمة السورية التي بدأت كثورة شعبية اجتماعية ـ سياسية واسعة في آذار/مارس عام 2011، ثم تحولت لاحقا إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية المفتوحة، لتستقر أخيرا على حرب إقليمية ودولية مصغرة داخل الأرض السورية، تقوم بها قوى محلية وكيلة؟

أصل الموقف

أسس الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للموقف الأميركي الحالي تجاه الأزمة السورية، والذي تمثل في الحياد البارد، وتجنب التورط العسكري الميداني المباشر. وظهر هذا الانكفاء بشكل واضح بعد توقيع اتفاقية مع الروس من أجل تفكيك الترسانة الكيميائية لنظام آل الأسد، بعد استخدامه السلاح الكيميائي وقتله للمئات في منطقة الغوطة بريف دمشق في 21 آب/أغسطس من عام 2013، وذلك على الرغم من التصعيد الكلامي الخطابي والإعلامي ضد نظام الأسد، إذ طالب أوباما، الرئيس الأميركي حينها، بشار الأسد بالتنحي في شهر آب/ أغسطس من عام 2011، عندما قال بأن “الأسد فقد شرعيته”.

من جهة أخرى، حاولت إدارة أوباما الاستفادة من الحالة السورية من أجل تحسين شروط المفاوضات مع إيران بخصوص برنامجها النووي، عن الطريق المساومة بين الاعتراف بالنفوذ داخل سورية، أو زيادة العقوبات بخصوص البرنامج النووي. توجت هذه المفاوضات بتوقيع اتفاق في 14 يوليو/تموز من عام 2015. أقرت تلك الاتفاقية، ولو بشكل غير معلن، اعترافا وغضا للنظر عن الدور الإيراني في سورية.

كما أن في التجربة الأميركية التاريخية ذاكرة سيئة في العراق وأفغانستان، الأمر أدى إلى تصاعد مزاج معاداة الحرب في الرأي العام الأميركي من جهة وانكفاء المحافظين الجدد عن النزعة العسكرية التدخلية من جهة أخرى بسبب التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة لحرب العراق.

هاجس العراق

المؤسسات الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، أي البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، كانت تخاف فعليا من انهيار كيان الدولة في سورية، على غرار التجربة العراقية. كان في الخطة الأميركية المقترحة إزاء سورية تغيير النظام مع الحفاظ على الدولة، لأن تفكيك الدولة والقضاء على النظام السابق وعدم أخذ مصالح البنى الاجتماعية والسياسية للنظام السابق بعين الاعتبار، كما حصل في العراق، لعب دورا مهما في انتشار تنظيم داعش، خصوصا بعد السيطرة الإيرانية شبه الكاملة على العراق والطابع الطائفي الشيعي للحكومات العراقية المتعاقبة وإقصاء السنة من مراكز القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

تفكيك النظام السابق في سياسة “اجتثاث البعث”، اعتمادا على استراتيجية بول بريمر، أدى إلى تفاقم الوضع الطائفي والسياسي في العراق. جزء من تنظيم “داعش” تكون من البعثية الصدامية الاستخبارية، والتي جرحت نرجسيتها وانهزمت تماما في الحرب. ولكن خطأ الإدارة الأميركية الكبير في سورية، هو الاعتقاد بأن النظام السوري مفصول تماما عن الدولة.

في كتابه “فلاحو سورية” يشرح حنا بطاطو بشكل واضح كيف أن الدولة في سورية مبتلعة بشكل مطلق من قبل النظام. وقد أشار الباحث السوري الراحل، جورج طرابيشي، في مقالة مشهورة له بعنوان “من الإصلاح إلى الإلغاء”، نشرت في بداية الثورة، كيف أن النظام (آل الأسد والنخبة الاقتصادية الحاكمة وأجهزة الأمن والجيش) أقوى بما لا يقاس من الدولة الضعيفة (جهاز الشرطة وقوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية ومؤسسات الدولة).

فصل النظام في سورية عن الدولة هو أمر صعب، كأن تفصل صوفا عالقا في كومة قش. ما كانت تريده الإدارة الأميركية، أي تغيير النظام مع الحفاظ على الدولة، أدى إلى زيادة في إضعاف الدولة وتدميرها بشكل مطلق في بعض المناطق مع اشتداد قوة النظام وزيادة تصلب النواة الأمنية ـ العسكرية داخله. الخوف والعيش تحت هاجس الخطأ العراقي، أدى إلى ارتكاب خطأ تاريخي كبير في سورية، نتيجته تسليم سورية إلى شخص عدواني غامض مهووس بالسلطة والقوة العسكرية يدعى فلاديمير بوتين.

أخيرا، لابد من ذكر إسرائيل، كفاعل إقليمي أساسي أيضا في الأزمة السورية. إسرائيل مهتمة بالهدوء على حدودها الشمالية على جبهة الجولان التي بقيت هادئة منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، ولا تريد تحول الأراضي السورية إلى مكان لانطلاق عمليات حزب الله أو إيران. إسرائيل أيضا لعبت دورا أساسيا في صياغة الشكل الحالي للأزمة السورية، عن طريق الضغط على الولايات المتحدة بعدم سيادة أي طرف من أطراف النزاع، واستنزاف كل شيء في سورية، لتبقى سورية ضعيفة غير قادرة على المجابهة مستقبلا.

يبقى الغائب الأكبر من النقاش الدولي هو الشعب السوري الذي دفع دماء نصف مليون إنسان كي يستلم زمام مبادرة حياته.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل