الثورة قيامة والقيامة لا تُرد

جمعة الحمود14 مايو 2018آخر تحديث :
الثورة قيامة والقيامة لا تُرد

لم تُولد ثورة السوريين لتموت بهزيمة الفصائل التي هَزمت نفسها قبل أن يهزمها النظام وحلفائه الروس والايرانيين، فالثورة فقط تُبدّل ردائها المتّسخ بقذارة الفصائلية التي طالما نادى جمهور الثورة وحاضنتها الشعبية بإنهائها وتوحد عناصرها تحت راية الثورة في مواجهة النظام ومن يقاتل في صفه،  فكما تحمل الثورة أسباب ضعفها وهوانها تحمل أسباب قوتها وبقائها وانتصارها.

لماذا لا تُهزم الثورة؟

الجواب ببساطة لأنها ليست المناطق التي سقطت ولا تلك الفصائل التي سَلّمت ورفعت الراية البيضاء، الثورة ليست منطقة ولا بيتاً دمّره برميل وصاروخ متفجر ولا طفلاً أو شاباً قتله قنّاص من مخابرات الأسد ضحى بنفسه دفاعاً عنها، الثورة هي صرخة أرواح ملايين السوريين التي ثارت لكرامتها وحريتها ولن تعود لقمقم الشيطان وحظيرته مرة أخرى بعد كل هذه التضحيات من ملايين الشهداء والمعتقلين والمهجرين والنازحين، ولن تخرس أو تتراجع مهما قتلوا واعتقلوا وهجروا ولن تعود دون تحقيق أهدافها التي خرجت من أجلها وجوهرها هو الانقلاب على الفساد والسوء وليس استبدال الفاسد بأفسد والسيء بأسوء، وانتصارها الأول والأعظم هو انكشاف زيف العالم بحكوماته ومؤسساته وايديولوجياته التي تحكمها المصالح ومافيات المال والسلطة دون أي وازع أخلاقي وإنساني، وزوال الزبد القذر المتراكم الذي كان يغطيها خلال سنوات من حكم الفصائل التي هُزمت ورُحِّلت الى آخر معاقل الثورة في إدلب وريف حلب الشمالي ولم تنته بعد بكل أسف، ليُعاد تدويرها وإنتاجها وتوظيفها من جديد بمهام بعيدة عن أهداف الثورة وتطلعات حاضنتها الشعبية التي باتت تشكل تكتلاً سكانياً كبيراً يتجاوز 3 ملايين نسمة في إدلب وريف حلب الشمالي مع النازحين الوافدين إليها بعمليات التهجير القسري والتي ينظر إليها النظام وحلفائه بعين الريبة ويتحسسون خطرها من خلال أي عمل قد تقوم به وتستعيد زمام المبادرة من جديد، لذلك يتطلب الأمر بقاء تلك الفصائل التي تختلف فيما بينها بنهجها وأفكارها وولاءاتها المرتبطة بأجندات دولية واقليمية مشبوهة لتكون أداة للاقتتال الداخلي والاستمرار بتشتيت الحاضنة الشعبية المتبقية للثورة من خلال تقاسم السيطرة عليها سواء بانضمام العناصر لتلك الفصائل أو بمحاربة قوى الثورة التي ترفض وجود الفصائلية وتدعوا لتوحدها في جسم عسكري واحد.

بدا هذا المنهج أكثر وضوحاً بعد مسار أستانة الذي كان وبالاً وأشد وطأة على السوريين وثورتهم من خلال تساقط المناطق وقبول الفصائل بالتسليم والرحيل، مما أتاح للنظام وحلفائه قضم المناطق المحررة والغريب أن جميع الفصائل المسلحة التزمت ما يسمى (خفض التصعيد) من طرف واحد انصياعاً للضامن وامتنعت عن نُصرة المناطق المستهدفة التي تتعرض للإبادة ومن ثم التهجير القسري ووقفت جميعها بكل المناطق تنتظر دورها اللاحق وكأن المتحكّم بها جهة واحدة. هل يكفي افتراض الغباء أو الجنون كمنطلق للتفسير أم أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير؟

الواضح أن أستانة هو مؤتمر الخيانة سابقاً وحالياً ولاحقاً لاستكمال محاولات تصفية الثورة، بكل صراحة فإن الأستانيين ليسوا أغبياء بل خونة وعن وعي تام لأن الثائر وصاحب القضية لا ينصاع لارادة الأعداء الروس والايرانيين والنظام، ولا إلى إرادة الأتراك ليصبح مجرد موظف يخدم مصالحهم على حساب قضية ومصالح شعبه، فتركيا التي دخلت قواتها إلى ريف حلب الشمالي وبعض المناطق في إدلب منعت أهلنا المهجرين من حمص ودمشق من دخول مدينة الباب السورية التي تسيطر عليها وبدأت تتصرف كقوة احتلال مثلها مثل بقية المحتلين، ولم يتجرأ أحد من مؤسسات المعارضة والفصائل على الاعتراض أو الضغط على الأتراك ليسمحوا بدخولهم، وهذا ليس مستغرباً لكل من يعرف أن المعارضة في تركيا بشقيها السياسي والعسكري وكل مستوياتها الإعلامية والإغاثية والتعليمية والطبية هم مجرد مرتزقة وامتداد لمعظم الفصائل التي سلّمت الأرض والسلاح وركبت الباصات إلى الشمال لتكمل دورها في الارتزاق لمصلحة تركيا التي طالما رفعنا الصوت وقلنا بأنه لا يهمها بموضوع الثورة إلا مصلحتها، فالفصائل المتناحرة ليس وحدها من هزمتنا في المرحلة التي مضت من عُمْر الثورة لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتلك الهياكل السياسية كائتلاف وحكومة مؤقتة والتي يشكل أفرادها مجموعة عصابات سياسية كل واحدة منها تدين بالولاء لجهة دولية أو إقليمية داعمة، وتعمل لديها بصفة أجير مرتزق ويدين لها بالولاء فصيل معين على الأرض يأتمر بها.

يتوجب إسقاط تلك الهيئات شعبياً مع الفصائل من قِبل قوى الثورة وحاضنتها الشعبية في إدلب وريف حلب الشمالي قبل أن تتمكن من إطلاق رصاصة الرحمة على الثورة السورية التي دفع جمهورها ثمناً باهظاً من أجلها، لا يمكن لشعب في العالم أن يتحمل هذا الثمن فالثائر لا يقبل أن يسير ضمن مشاريع مشبوهة أو مأجورة وعميلة بل يعمل ضمن مشروع وطني يصون الثورة وأهدافها ويعمل على انتصارها الثورة وحاضنتها الشعبية في مرحلة مفصلية جديدة.

نحن الآن أمام منعطف كبير ولحظة تاريخية حاسمة من تاريخ الثورة السورية التي تشهد انعراجاً كبيراً بالتزامن مع انحسار مكتسبات الثورة وتقلّصها وتشتت أهدافها، فشلت لغة السلاح والقتال بسبب التدخلات الدولية والاقليمية ومن تصدروا المشهد السياسي والعسكري للثورة في تنفيذ ما يصبوا اليه الشعب السوري من تغيير وتحرر من النظام الديكتاتوري والاستبدادي، الذي يفرض عليهم الرحيل إما طوعاً أو بالقوة.

آن الأوان لموجة جديدة من الثورة يقول فيها الشعب كلمته قبل أن يدخل في نفق مظلم آخر يكلفنا تضحيات وخسارات أكبر وأكثر مما خسرناه في السنوات السبع الماضية، فالفصائل التي فقدت سيطرتها على المناطق لم تكن رقماً صعباً ولن تكون في المستقبل بسبب تشتتها وخلافاتها، لكن الرقم الصعب هو الشعب السوري الذي قدّم مليون شهيد ولا يزال مصراً على المقاومة ومصمماً على بلوغ أهدافه في الحرية والكرامة واضعاً نصب عينيه أن الثبات وقت الانكسار في إحدى مراحل المعركة أشد بطولة من صياغة الانتصار رغم النكسات وخيبات الأمل من العالم والمعارضة التي وُلدت طُرحاً غير قابل للحياة لأنها من بقايا حَمل النظام الفاسد.

كل ذلك يجعلنا في أمس الحاجة إلى تغيير استراتيجيتنا في طلب التغيير المنشود والانتقال إلى مفهوم سياسي جديد منظم وموّحد يشكل مجلس قيادة للثورة سياسياً وعسكرياً، يكون فيه وعلى رأسه الأكفاء وصاحب الاختصاص
ولا يضم مخلفات المرحلة الماضية من مؤسسات وأشخاص انتهى تاريخ صلاحيتها وأكثر من ذلك أنها باتت محل شبهة في ملفات فساد وسرقة وخيانة لمعظم أشخاصها تستوجب مساءلتهم ومحاكمتهم وعقاب من تثبت بحقه الإدانة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل