هل سيذهب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعيدا مع النظام الإيراني في تقرير مصير الاتفاق النووي، ويترك الفرصة للمخاوف الأوروبية أن تنمو أكثر لا باتجاه الإصرار على التمسك بمجمل الاتفاقية كما لو كانت أوروبا الطرف الضامن للنظام بعدم الحصول على السلاح النووي حاضرا أو مستقبلا، بل باتجاه الضغط على النظام في مساحة تصعيد سيشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط ضمن سياسة حافة الهاوية بعد إقرار ترامب إلغاء الاتفاق أو تعليقه.
أوروبا وتحديدا الدول الموقعة على الاتفاق تحاول أن تلعب ذات الدور المزدوج الذي لعبته كوريا الجنوبية مع النظام في كوريا الشمالية كطرف فاعل ونشط في الصراع من جهة، وطرف تهدئة من جهة أخرى؛ مع الأخذ بالقرب الجغرافي الأوروبي ومخاطر التصعيد مقارنة بالعزلة الأميركية خلف الأطلسي ومدى الصواريخ الباليستية الإيرانية.
خطوة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الاستثنائية في عبور خط الحدود الفاصل بين الكوريتين تعد خطوة عملاقة من الناحية النفسية بحكم ميراث الجد والأب الأيديولوجي، إضافة إلى ما خلّفته مأساة الحرب والانقسام منذ بداية خمسينات القرن الماضي وتوغلها في البشاعة والخسائر البشرية، التي كان من نتائجها الفصل الاقتصادي والسكاني وبناء طويل الأمد لحاجز الخوف بين نظامين متنافرين صنعا من شبه الجزيرة الكورية نموذجا يقتدى في صناعة حروب الإنابة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، دون الحاجة إلى استعارة لغة المعسكرات بعد تفكك أحد قطبيها لأسباب تتعلق بجوهر مضامين حقوق الإنسان رغم التباين في الآراء المواقف.
تواردت إلى مخيلتي خطوة نيل أرمسترونغ أول رائد فضاء حط على سطح القمر، وكانت خطوة للإنسانية على مشارف الكمال. خطوة كيم جونغ أون أيضا تتسع للخيال كلحظة فارقة غير متوقعة، ولا تتوافق أو تنسجم مع حركة السياسة ومناورات التسليح وحرب الكلمات القصيرة التي تقاذفها الطرفان الكوري الشمالي والأميركي على حدود الرعب من احتمالات المواجهة النووية.
قرار إلغاء الاتفاق النووي مع إيران سيكون له وقع خاص وحاسم في اللقاء المرتقب بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس كيم جونغ أون في تسريع وتائر الاتفاقات الثنائية بمروحة سياسية وتقنية واسعة، بوادرها في المشاركة بمناورات عسكرية مع الجار الجنوبي وبحضور أميركي رغم أنها بواجهة شكلية لكنها تحمل في طياتها تطمينات لنظام يقوم على الشك من داخله ومع محيطه.
دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في تشونغ يانغ كانت مفترق الطرق بدعوة الرئيس الكوري الجنوبي لشقيقة كيم جونغ أون لحضور حفل الافتتاح ومشاهدة الوفدين الكوري الجنوبي والشمالي بفريق واحد؛ وهو ما يمكن وصفه بتأثير القوة الناعمة التي تؤطر رغبة العالم في تفهم كوريا الشمالية لحجم القلق من زوال نعمة السلام والتقدم وأنماط الحياة المعاصرة وتجلياتها التي ظهرت في حفل الافتتاح مع أمنيات الوفود الحاضرة.
وباسترجاع لغة التهديدات نكتشف أنها أدت الغرض منها في الجانب الكوري الشمالي بصفته وريثا شرعيا لذلك الإباء وتلك الصرامة القاسية التي اتسم بها النظام طيلة عقود لإظهار سمات الشجاعة في إنفاذ التهديدات القصوى.
هل وجد الزعيم الكوري الشمالي في الرئيس ترامب ضالته؟ أحياناً بالتهديد العملي وأحيانا أخرى بالتصريحات، بما وفر له مجالا أمام شعبه أولا، وأمام من يعتقد أنهم ضمن معسكره المُعادي لأميركا وللعالم أيضا في عرض جدية تهديداته وسعيه وقدرته على امتلاك السلاح النووي وصواريخ متعددة المديات، وفي الوقت ذاته يبدو أن ترامب منحه مبررا للتراجع تحت الضغوط الأميركية الهائلة باستخدام وسائل التدمير الساحق لكوريا الشمالية في حالة عبورها محاذير الخطوط النووية.
إذاً هي استجابة لنداء عالمي بمضامين إنسانية، وحرص على كوريا الشمالية من تهديد هجمات تم التلويح بها، وتفاديا لحرب إبادة في شبه الجزيرة الكورية، على هذا المنوال سيكون الزعيم خارج مفاهيم الإذعان والتراجع والاستسلام.
نتائج المتغيرات المقبلة متباينة في العلاقات الأميركية أو الكورية الجنوبية مع كوريا الشمالية على ضوء توقّعات بانتكاسات أو مطبّات ممكن أن تتعرّض لها المفاوضات لأسباب تتعلق بمرجعية معقدة لكوريا الشمالية في نظامها السياسي.
لكن ما ينطبق على كوريا الشمالية من خطوة اختزلت الكارثة، هل يمكن أن ينطبق على ما يعتبر خطوة نحو سياسة حافة الهاوية بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران؟ ذات المفاهيم والقناعات والمبررات قد تسمح للنظام الإيراني التسليم بالأمر الواقع، وإعادة رسم خارطة جديدة لمفاوضات ماراثونية أخرى تحت حجة تفويت الفرصة على العدوان الخارجي وتأكيد شفافية البرنامج النووي للأغراض السلمية دون التفاف أو خداع للمجتمع الدولي.
النظام السياسي في إيران براغماتي جدا. المتحدثون باسمه متعددو الوجوه ومصادر النفوذ وبإمكانهم الانقلاب تماما على ما يهدد نظامهم فعلا، ولن تكون مفاجأة أن تتحول الدبلوماسية الإيرانية إلى التهدئة وربط الخيوط الأوروبية لمعالجة آثار الانسحاب الأميركي من الاتفاق.
إلغاء الاتفاق النووي تتعامل معه إيران على طريقة الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتبار الاتفاق سلة المشاكل الدولية مع إيران، بمعنى إن الإلغاء أو الإبقاء سيظل محور الاهتمام العالمي، وبذلك لن يتعرض النظام إلى المساءلة عن جرائمه وإباداته في الداخل الإيراني لأنها صلاحيات حصرية متناسين أكثر من 5 ملايين أو أكثر من اللاجئين الإيرانيين تمتلئ بهم دول العالم وقوارب الموت المتجهة إلى إيطاليا وأستراليا وغيرها دون أن ينتبه لهم أحد وسط موجات اللجوء من دول الحروب والجوع.
سيستمر تجاهل إرهاب النظام الإيراني واحتلاله لأربع عواصم عربية، كما سيستمر تدعيم شبكة عملائه التي تمتد إلى أفريقيا وكوبا والأرجنتين وفنزويلا، وتتوغل في أوروبا وآسيا بمافيات مخدرات وغسيل أموال وعمليات إرهابية وتجنيد عقائدي خفي ومعلن ستدفع أوروبا بالذات ثمنه من أمنها واستقرارها لانكفائها على علوم سياسية صرفة تصلح للعلاقات والمصالح الدولية، إلا مع نظام كالنظام الإيراني.
تشديد العقوبات وإلغاء الاتفاق النووي سيؤدي في جانب منه إلى تحريك الشارع الإيراني ضد النظام، عكس ما فعله الرئيس أوباما تماماً عندما تناسى الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وأعطى المرشد تفويضا سمح للرئيس حسن روحاني مؤخرا للقول إن أميركا تضعف النفوذ الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط وإن الرد الإيراني على أميركا يعتمد على خبرة حربها مع العراق. الحقيقة هو يريد أن يقول ما معناه تصحيح الأخطاء ومعالجة الإخفاقات التي أدّت إلى هزيمة النظام الإيراني في تلك الحرب مع العراق.
عذراً التعليقات مغلقة