ناقش “جوست هيلترمان” مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، الصراعات والمواجهات الدولية التي من المرجح أن تتشكل على أنقاض النزاع في سوريا. معتبراً أن المفتاح لمنع الحرب في سوريا من الانقسام والتحول إلى مرحلة جديدة أكثر فتكاً وفوضى هو روسيا، التي تدخلت لصالح نظام الأسد منذ أيلول/سبتمبر 2015، إلا أن الولايات المتحدة أيضاً يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في منع تفاقم الأمور.
وأوضح “هيلترمان” خطورة الوضع الحالي في سوريا، وقال إنه بالنظر إلى الخريطة، في الشمال الغربي في محافظة إدلب، لاتزال منطقة خفض التصعيد التي يراقبها الجيش التركي هشة، في حين يحرص نظام الأسد على طرد الأتراك، وكذلك المعارضين، وفي الشمال الشرقي، أنشأت المليشيات الكردية شكلاً من أشكال الحكم الذاتي، بقيادة ميليشيا “YPG” وحدات حماية الشعب، وهي حليف للولايات المتحدة في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لكن هذه المليشيا هي الجناح السوري التابع لمليشيا حزب العمال الكردستاني “PKK” في تركيا، وبالتالي فهي عدو للجيش التركي، وفي أقصى الشرق، لا تزال هناك بقايا لتنظيم الدولة الإسلامية تجوب الصحراء بالقرب من الحدود العراقية، حيث تقوم الولايات المتحدة وميليشيا “YPG” بملاحقتها بالإضافة إلى نظام الأسد المدعوم من إيران والميليشيات المرتبطة بها.
إلا أن “هيلترمان” يرى أن الخطر الأعظم يكمن في الجنوب، على طول خط الهدنة الذي يفصل بين إسرائيل وسوريا، ويشير إلى أن الهجمات الأخيرة ما بين إسرائيل وإيران وحلفائها قد زادت خطر التصعيد، ففي فبراير، لم يجر سوى اتصال هاتفي واحد بين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامن نتنياهو” لحث إسرائيل على إلغاء الغارات الجوية ضد نظام الأسد والأهداف الإيرانية، وذلك بعد غزو طائرة من دون طيار المجال الجوي الإسرائيلي.
وفي الآونة الأخيرة، استغلت إسرائيل الغضب الدولي من هجوم كيماوي واضح على نظام الأسد لتنفيذ جولة ثانية من الهجمات، مما أدى إلى مقتل 10 عسكريين إيرانيين وغيرهم في مطار سوري، وتعهدت إيران بالرد، ومن المرجح أن تفعل ذلك في الوقت الذي تختاره.
واعتبر “هيلترمان” بأن ما يجري بين إسرائيل وإيران هو لعبة الدجاج التي يمكن أن تخرج بسهولة عن السيطرة، لكن هل روسيا مستعدة للعب هذا الدور؟ يتساءل “هيلترمان” ويستطرد في معرض إجابته عن هذا السؤال قائلاً: “إن أفضل طريقة لمنع المواجهة بين إيران ومليشيا حزب الله مع إسرائيل هي إنشاء قناة تواصل لجميع الأطراف مباشرة مع الكرملين والجيش الروسي. ومع ذلك، قد لا يكون لدى بوتين الكثير من الاهتمام بهذا النوع من الإجراءات الاستباقية في الوقت الذي يستطيع حالياً تكبير دوره الشخصي عن طريق التقاط الهاتف لنزع فتيل الأزمة”.
ويضيف أنه من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون سيدعمون جهود الوساطة الروسية، ومن وجهة نظر “هيلترمان” فإنه يجب عليهم ذلك، فحتى إسرائيل تتطلع إلى روسيا لكبح جماح إيران ومليشيا حزب الله في سوريا، أو على الأقل منعها من تحريك القوات الهجومية نحو مرتفعات الجولان.
ويرى أنه يجب على الولايات المتحدة، التي تراجعت عن المشاركة الدبلوماسية النشطة في حرب سوريا، أن تقبل بالوساطة الروسية وتشجعها في الواقع، ويوضح “هيلترمان” في مقالته أهمية دور الولايات المتحدة في سوريا، مشيراً إلى الضربة الثلاثية الأخيرة التي شاركت بها الولايات المتحدة مع فرنسا وبريطانيا لردع نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية، واصفاً هذه الضربة بالرمزية، ومؤكداً أنه كان بوسع واشنطن أن تتبع هذه الضربة بمطالب محددة مدعومة بالتهديد بتوجيه ضربات أكثر تأثيراً.
ويعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على تشكيل ساحة المعركة في سوريا بقوتها العسكرية الهائلة، ولكنها بحاجة إلى الجمع بين التهديد باستخدام القوة والدبلوماسية، ويقول هيلترمان: “قد تكون العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد اتخذت منعطفاً نحو الأسوأ، ولكن لا يبدو أن أي من البلدين يريد منطقة أكثر اضطراباً يمكن أن تخرج عن السيطرة، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها.وهذا يوفر أرضية مشتركة، مهما كانت ضئيلة، للتعاون على خطين على الأقل”.
وبحسب “هيلترمان” فإن الخط الأول هو خفض التصعيد في سوريا، قد لا يقود ذلك إلى تسوية سياسية تشمل المعارضة، لكن روسيا ستحتاج إلى درجة من الاستقرار لتتمكن من إعلان النصر وتخفيض بصمتها العسكرية، هذا هو السبب في أن موسكو قد حلت محل عملية السلام في جنيف التي تقودها الأمم المتحدة مع المحادثات التي بدأت في العام الماضي في أستانا، مع إيران وتركيا.
ويشير إلى أن روسيا اختارت تعزيز هذه العملية لأنها أدركت أن الأسد، الذي أضعفته سنوات من القتال لا يمكنه كسب النصر في ساحة المعركة أو الأمل في البقاء دون مساعدة عسكرية مستمرة، ناهيك عن حكم البلد الذي دمره، ويرى “هيلترمان” أن ضعف الأسد العميق وحاجة روسيا إلى الاستقرار قد توفر نفوذاً للولايات المتحدة وأوروبا، سواء من خلال عائدات الاستقرار وإعادة البناء التي تفتقر إليها روسيا وإيران، أو من خلال لعب دور المفسد.
ويرى حيث أن الانتشار العسكري الأمريكي غير المحدود في شرق سوريا وقدرتها على إبقاء قطاعات كبيرة من البلاد خارج سيطرة الأسد، يوفر نفوذاً كبيراً، ومع ذلك، فهذه بطاقة خطيرة للعب، لأنها تترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية مواجهة عظمى، والمجال الثاني للتعاون المحتمل هو تهدئة التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران.
ويقول في هذا السياق إن من الممكن أن تدعم إدارة “ترامب” الوساطة التي تقودها روسيا، لكن هذا لا يتطلب فقط المشاركة النشطة مع موسكو، بل يتطلب أيضاً اتباع نهج مختلف تماماً تجاه حليف الأسد الآخر “إيران”، فإذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، فإنها ستضع نفسها على طريق المواجهة العسكرية مع إيران.
ومن ناحية أخرى، يرى أنه إذا اتبعت إدارة “ترامب” ذات النهج مع إيران كما فعلت مع كوريا الشمالية، وبدأت الحديث بجدية مع القادة الإيرانيين، فإنها يمكن أن تساعد في نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط، وهذا لن يكون طريقاً سهلاً بالنسبة لإدارة تفتقر إلى استراتيجية ويقودها رئيس مزاجي، لكن مخاطر التصعيد الحالية تجعل البديل أبعد بكثير.
Sorry Comments are closed