تصاعدت في لبنان مؤخراً لهجة معادية للاجئين السوريين عبر لافتات وأغنيات مصورة، حتى وصل الأمر إلى اعتداءات جسدية انتهت بوفاة أحد اللاجئين، يتزامن ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات، فهل يصبح اللاجئون مطية للوصول إلى البرلمان؟
ويتوجه الناخبون اللبنانيون في السادس من مايو/أيار المقبل لاختيار أعضاء برلمانهم وسط حالة شديدة من الشد والجذب بين مختلف التيارات السياسية في البلاد، وسط هذه الأجواء تصاعدت أصوات تطالب بإخراج اللاجئين السوريين من لبنان بدعوى ’’تأثيرهم السلبي‘‘ اقتصادياً واجتماعياً على البلاد.
ويخشى لبنان بشدة مما يراه ’’سعي جدي للتوطين عبر زرع الخوف والتردد في قلوب اللاجئين وتعمّد عرقلة أي جهود جدية لعودتهم إلى بلادهم والتخفيف من معاناتهم وحل مشكلة من يستطيع الرجوع سياسيا وأمنيا إلى سوريا لكون العودة الآمنة والكريمة هي الحل الوحيد لأزمة النزوح‘‘، وفق ما جاء في بيان الخارجية اللبنانية.
واعتبر رئيس الحكومة اللبنانية ’’سعد الحريري‘‘، أن لبنان تحول إلى مخيم كبير للاجئين، بسبب وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيه.
ودعا ’’الحريري‘‘ المجتمع الدولي إلى مؤازرة لبنان ’’بعدما تم استنزاف مقوماته‘‘، محذراً من أن التوترات بين النازحين والمجتمع المضيف تزداد، بسبب المنافسة على الموارد وفرص العمل.
فيما كشف أحدث تقرير لمنظمة ’’هيومين رايتس ووتش‘‘ المدافعة عن حقوق الإنسان، أن 13 بلدية في لبنان أخلت قسرياً آلاف اللاجئين السوريين من أماكن سكنهم بسبب جنسيتهم أو دينهم، ولا يزال خطر الطرد يهدد 42 ألف لاجئ آخرين.
"هذه بلدة مسيحية، لا يوجد جامع هنا. لا نريد استقبال لاجئين" – إخلاءات جماعية تمييزة وغير قانونية تطال اللاجئين السوريين من قبل البلديات في #لبنان https://t.co/GgUJxKzSgJ pic.twitter.com/YjYsqyulYt
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) April 20, 2018
وأعلنت وزارة الخارجية اللبنانية عن قيامها بما أسمته ’’إعادة تقييم عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين‘‘، بعد إصدار المفوضية بياناً شككت فيه بالعودة الطوعية لنحو 500 لاجئ سوري غادروا لبنان مؤخراً.
واستدعت الوزارة ممثلة مكتب المفوضية في لبنان للقاء مدير الشؤون السياسية والقنصلية، وعقب اللقاء صدر بيان غاضب من الوزارة بشأن التقارير الصادرة عن ’’عمليات ترحيل قسري‘‘ للاجئين السوريين من لبنان.
اللاجئون السوريون في لبنان.. لا أرقام محددة
يقول الدكتور ’’مالتي جاير‘‘ كبير الباحثين بمؤسسة كونراد اديناور في لبنان، وفق تقارير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إنه مع نهاية مارس/آذار ’’كان في لبنان أقل من مليون لاجئ سوري أو تحديداً 991 ألف لاجئ سوري، لكن هذا هو عدد المسجلين رسمياً لدى المنظمة، فيما تشير أرقام الحكومة اللبنانية إلى رقم قد يصل إلى مليون ونصف وأحيانا أكثر من ذلك، ولا أحد يعرف على وجه الدقة الرقم الصحيح لعدد اللاجئين السوريين‘‘.
ويضيف ’’جاير‘‘ بأنه مع نهاية العام الماضي كان عدد من أعضاء الحكومة اللبنانية يدفعون نحو إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بغض النظر عن طبيعة الوضع على الأرض في سوريا.
وهدأت هذه التصريحات قليلاً من نهاية ديسمبر/أيلول وبداية يناير/كانون الثاني من العام الحالي وحتى الآن، لكنها عادت إلى الظهور مرة أخرى مع انعقاد عدة مؤتمرات دولية سواء في روما أو باريس ومؤخراً في بروكسل شارك فيها لبنان، حيث ’’تم التوصل لاتفاقيات بضغوط من المجتمع الدولي يرى لبنان أنها ليست في مصلحته‘‘ حسب ماذكر جاير.
السوريون في لبنان.. ظروف معيشية صعبة
تتردد منذ فترة في لبنان عبارات من قبيل ’’اللبناني لم يعد يجد أي فرصة عمل بسبب السوريين‘‘ وتصاعدت المطالب الشعبية بإغلاق محلات تجارية لسوريين، فيما علق البعض لافتات في شوارع مدن لبنانية تحرض اللبنانيين ضد عمل اللاجئين، وتحملهم مسؤولية الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه لبنان.
الائتلاف الوطني السوري المعارض حذر من تصاعد نبرة الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان:
يؤكد الائتلاف أن تنامي ظاهرة العنصرية والتعرض للاجئين السوريين زادت بشكل مثير للقلق بالتزامن مع تصريحات غير مسؤولة تصدر عن مسؤولين في السلطة اللبنانية، فيما لم يُسجل تحقيق يذكر في الحوادث السابقة والتي تم فيها الاعتداء بالضرب على لاجئين، من بينهم أطفال.#سوريا #لبنان
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) April 26, 2018
وتطورت الأمور حتى وصلت إلى إنتاج أغان تحرض على اللاجئين السوريين في لبنان:
لينتهي الأمر باعتداءات بدنية كان آخرها مقتل سائق حافلة مدرسة سوري على يد ضابط لبناني:
محمد عبدالجواد، لاجئ سوري يعمل سائق حافلة بروضة أطفال في #لبنان، توفي اليوم متأثرا بجراحه بعدما تعرض للضرب من قبل عسكري في #الجيش_اللبناني، الخميس الماضي، أثناء إيقاف الفان لإنزال أحد الأطفال إلى منزله. قتل محمد بعدما عرف العسكري أنه سوري من لهجته عندما اعترض على وقوفه في الشارع. pic.twitter.com/W7VO8A6Npw
— Fadi Aldahouk (@fadidahouk) April 25, 2018
اللاجئون السوريون… ورقة انتخابية رابحة؟
يرى محللون سياسيون أن اللاجئين السوريين في لبنان قد أصبحوا ورقة سياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما حذر منه وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين ’’معين المرعبي‘‘ الذي أشار في تصريحات سابقة إلى أن هناك من ’’يستغل مسألة النازحين الإنسانية لتسويق أجندته السياسية وحملاته الانتخابية‘‘.
وكررّ ’’جبران باسيل‘‘ وزير الخارجية اللبناني والعضو البارز في التيار الوطني الحر الحليف القوي لحزب الله اللبناني، تحذيره من ’’خطورة استقرار اللاجئين السوريين‘‘ في بلاده، متذرعاً في ذلك بما يراه ’’رغبة دولية تدفع نحو توطين اللاجئين السوريين في لبنان‘‘:
يهم #باسيل أن يؤكد مواقفه الرافضة لمبدأ التوطين او "الاندماج" و"الانخراط في سوق العمل" الوارد في البيان، ويعتبر العودة الآمنة والكريمة إلى المناطق المستقرة داخل سوريا هي الحل الوحيد، كما يؤكد رفضه ربط العودة بالحل السياسي في سوريا، مع تأكيد احترام لبنان لمبدأ عدم الإعادة القسرية
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) April 25, 2018
ويتابع ’’مالتي جاير‘‘ قوله: ’’إن ورقة اللاجئين السوريين تم استخدامها منذ اندلاع الأزمة السورية، كما تمت الإشارة بشكل متكرر إلى أن هناك خطر يتهدد التوزيع الديموغرافي للسكان في لبنان بدخول هذا الكم من السوريين الذين يقدر لبنان عددهم بحوالى مليون إلى مليون ونصف المليون، أغلبهم من الطائفة السنية‘‘.
ويضيف قائلاً: إن ’’اللاجئين السوريين لا خطر منهم تجاه التركيبة الديموغرافية في لبنان، خاصة مع التفهم بأنه لن يتم دمجهم في المجتمع، وبالتالي لن يصبحوا أبداً جزءا من تركيبة البلاد السكانية‘‘.
هل سيكون اللاجئ السوري كبش فداء؟
تتصاعد المخاوف من أن يتحول اللاجئون السوريون في لبنان إلى كبش فداء للتناحر السياسي الدائر مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في لبنان، ويرسم آخرون سيناريو مقلقاً يقضي باتفاق بين عدة أحزاب يتم على إثره وعقب الانتخابات البدء في اتخاذ إجراءات لإجلاء السوريين من لبنان وإعادتهم إلى بلادهم، بدعوى استقرار الإوضاع في عدة مناطق داخل سوريا.
ويشير ’’جاير‘‘ إلى أنه لا يتوقع أن يقع اللاجئون السوريين ضحية لاتفاقات أو تحالفات انتخابية من هذا النوع، مضيفاُ ’’صحيح أن اللهجة ضدهم في لبنان تتصاعد مع وقوع بعض الحوادث التي تستهدفهم وتصريحات من مسؤولين في الدولة كوزير الخارجية جبران باسيل أو رئيس البرلمان نبيه بري الذي أدان البيان الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد مؤتمر بروكسل‘‘.
ويعتقد ’’جاير‘‘ أن ’’هذا أمر مفهوم خاصة وأن الكل في لبنان يعيش اليوم أجواء الانتخابات، وفي ظل هذه الأجواء المحتقنة تتصاعد نبرة الحديث من قبل المرشحين والأحزاب السياسية‘‘.
وينوّه ’’جاير‘‘ إلى أنه ’’يمكننا أن نرى ذلك ايضاً في تصريحات المرشحين بهدف اللعب على المشاعر القومية لضمان مزيد من الأصوات، حيث يستخدم كثير منهم نتائج اجتماع بروكسل للتأكيد على رؤيتهم بأن هناك ضغوط دولية على لبنان لإبقاء اللاجئين السوريين داخل لبنان والعمل بشكل استراتيجي للسماح بدمجهم في المجتمع‘‘.
واختتم ’’جاير‘‘ حديثه قائلاً: إن هدف ذلك هو تخويف اللبنانيين من ضياع هويتهم الوطنية ما يعزز من أجواء القومية، متوقعاً بناء على كل ذلك أن يحصل المزيد من الحوادث التي قد تستهدف اللاجئين السوريين وتصاعد نبرة الخطاب ضدهم في الأيام القادمة، فيما لم يتوقع أن تقوم الأحزاب بعد الانتخابات بتنفيذ أي خطط فورية لدفع السوريين إلى خارج لبنان‘‘.
Sorry Comments are closed