الثابت والمتحول في موقف إسرائيل من الأسد!

نوار الشبلي28 أبريل 2018آخر تحديث :
الثابت والمتحول في موقف إسرائيل من الأسد!

نشهد في الآونة الأخيرة تصعيداً في الموقف الإسرائيلي من اتساع النفوذ الإيراني في سوريا، فالتهديدات صارت هجمات، والتلويح باستهداف الأسد لسماحه لمليشيات إيران بتوسيع نفوذها يبدو أخطر من مجرد حرب دعائية، ولكن يبقى السؤال: هل تحول الموقف الإسرائيلي من الأسد جدياً؟

لم تخف إسرائيل منذ بدايات الثورة السورية تخوفها من تواجد المليشيات الإيرانية الداعمة لنظام الأسد في سوريا، رغم أن نظام الأسد والمليشيات الطائفية المدعومة من إيران لم تقم بأي تهديد حقيقي لإسرائيل في جبهة الجولان، وهي جبهة ظلت نائمة، حتى في الحرب الإسرائيلية الأخيرة في العام 2006 على مناطق سيطرة مليشيا حزب الله في لبنان، وفي المقابل لم تخف حكومة الاحتلال الإسرائيلي تفضيلها بقاء الأسد على ماسمته “الفوضى” والتنظيمات الجهادية، لأنه بكل بساطة ساهم في أمن واستقرار حدودها، وهذا الموقف الإسرائيلي من الأسد يبدو ثابتاً، رغم كل التحولات “الشكلية” التي برزت في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على مدى سنوات منذ بداية الثورة.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012 صرح العميد الإسرائيلي المتقاعد رافي نوي لصحيفة “يديعوت أحرنوت” أن نظام الأسد أفضل من الثوار لهدوء جبهتنا وتوسيع المستوطنات وأن مصلحة إسرائيل هي ببقاء الأسد، رغم مخاوف حكومة الاحتلال من الوجود الإيراني وحزب الله.

ثبات موقف إسرائيل في دعم بقاء الأسد يؤكده ما كشفت عنه صحف اسرائيلية في وقت سابق عن اجتماعات “غير رسمية” في الأردن بين ماهر الأسد ومسؤولين في خارجية الاحتلال في بداية الثورة السورية، كانت فيما يبدو بهدف تنسيق توجه قوات الفرقة الرابعة التي يقودها لمواجهة الثوار والتضييق عليهم في درعا.

أما في العام 2013، فقد قال الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي أفرايم هاليفي في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية إن “بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق”، وأن حكومة الاحتلال لاتريد جر الأسد “لتوجيه ضربات بالصواريخ إلى إسرائيل لتحويل المعركة”.

هذا الثابت لا تنال منه تصريحات مغايرة أطلقها سفير حكومة الاحتلال الإسرائيلي لدى أميركا والأمم المتحدة حينها “مايكل أورين” برغبة تل أبيب بسقوط الأسد، فهذه التصريحات لم تكن سوى مجاراة لمواقف دولية برزت آنذاك بعد استخدام الأسد للغازات السامة في الغوطة الشرقية.

وهي أيضاً بقيت مجرد تصريحات، إذ لم يلبث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن سارع إلى نفيها مشيراً إلى أنها “لا تعبر حتى عن موقف علني أو رسمي لتل أبيب”.

ولم يمض وقت طويل ليكشف بعدها أورين، بعد أن أصبح سفيراً سابقاً في العام 2015، عن الدور الإسرائيلي في التوصل لاتفاقية تدمير الأسد لمخزونه من الأسلحة الكيماوية مقابل إيقاف ضربة عسكرية أمريكية في آب/أغسطس 2013، الأمر الذي أظهر تناقضاً في الموقف الإسرائيلي من الأسد، فعدو الأمس الذي استهدف جيش الإحتلال مواقعاً لقواته في كانون الثاني/يناير، وأيار/مايو من العام 2013، أصبح صديقاً، ساهمت تل أبيب في حمايته من الضربة الأمريكية في أب/أغسطس من العام نفسه.

يُضاف إلى ذلك التصريحات الإيرانية والروسية التي أكدت بعد فترة وجيزة أن بقاء الأسد يأتي في مصلحة إسرائيل وحمايتها، بعد غارات جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً لمليشيا “حزب الله” في سوريا.

سيناريو التناقضات الظاهرية في موقف تل أبيب من الأسد تكرر في العام 2017، حيث كشفت صحيفة “معاريف” العبرية، أن إسرائيل أبدت استعدادها للاكتفاء بغارات متفرقة مقابل تقويض النفوذ الإيراني ومليشيا حزب الله على حدود الجولان المحتل، وذلك برسائل وجهتها لنظام الأسد عبر وسيط روسي على الأغلب، حيث صرح الأسد قبل ذلك بأيام عن إمكانية لعب روسيا لدور الوسيط بينه وبين الجانب الإسرائيلي.

في الوقت الذي أكدت فيه دراسة لمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن التدخل الإسرائيلي سيصبح أكثر فعالية في مستقبل سوريا بعلم مسبق من روسيا، وذلك بعد اتساع رقعة سيطرة قوات الأسد بحجة الحد من النفوذ الإيراني عبر تهديدات باستخدام القوة العسكرية.

المشهد يعيد نفسه حالياً، وذلك بعد الضربة العسكرية الثلاثية لنظام الأسد، والذي تمثل بتهديدات إسرائيلية طالت حياة الأسد من قبل وزير الطاقة والموارد المائية الإسرائيلي “يوفال شتاينتس”، في حال أي قيام إيران بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، إلا أن هذه التهديدات ما لبثت أن تراجع مداها لتقتصر على التهديد بضرب طهران فقط ، بحسب تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان”.

وتابعت بورصة التهديدات الإسرائيلية تذبذب مؤشرها، فترتفع حدتها بالتناغم مع إصرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران في العام 2015، وعقد اتفاق جديد يشمل الحد من الوجود الإيراني في سوريا.

وفي الوقت الذي تستمر فيه عمليات التهجير في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، تأتي التهديدات الإسرائيلية لتعيد “بطل الممانعة والمقاومة” إلى الواجهة، فالتهديدات تصب في مصلحة الأسد، وترفع من رصيده المتهاوي، خاصة في هذا الوقت الذي تشهد فيه علاقة الأسد بالشعب السوري في المناطق الواقعة تحت سيطرته اختلالاً سببه تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية.

ورغم التناقضات الواضحة والتحولات المستمرة في الموقف الإسرائيلي من الأسد، إلا أن هذه التهديدات يمكن أن تكسب الأسد رصيداً يحتاجه على الصعيد الوطني والقومي، عند من أصيب بالعمى الإرادي عن مجازره بحق شعبه، ومتاجرته بقضية مقاومة العدو الصهيوني، وهذا بالضبط ما تعتبره إسرائيل ثابتاً أكيداً في سياستها تجاه الأسد، حامي حدوها منذ عشرات السنين، ومقاول “مقاومتها” بالثرثرة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل