رواية هوامش الحب والحرب.. مكانٌ للحب في العالم الافتراضي

فريق التحرير21 أبريل 2018Last Update :
رواية هوامش الحب والحرب للصحفي والشاعر السوري عبد السلام الشبلي

مصطفى عباس – حرية برس:

“انتهت حكاية من حكايات هوامش الحرب القاسية…ولم تنتهِ أخريات ربما يكُنّ أقسى وأكثر بؤسًا!” كانت هذه آخر جملة في رواية (هوامش الحب والحرب) التي صدرت مؤخراً عن دار بردية للنشر والتوزيع في مصر، للصحفي والشاعر السوري عبد السلام الشبلي، كباكورة أعماله الروائية.

وكما هو واضح من عنوان الرواية، فإنها تبحر في حالة حب نشأت في بلد لا صوت يعلو فيه فوق قرقعة السلاح والتخوين والتكفير، إنها الحرب ومفرزاتها، التي مهما ضاقت حواشيها، وقُيدت تفاصيلها، يبقى الحب الذي في القلوب حراً طليقاً، لا يستطيع أحد أن يسيطر عليه، أو حتى يقيده، طبعاً هذا في الواقع العادي ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، فما بالك بواقع كواقعنا سيطرت عليه هذه الوسائل، لتتسع أكثر فيه أمكنة الحب والحرب. ” إلا أن الحرب قاسية، وهامشها – ربما- يكون أقسى!”.

الحب يمنح السعادة

(حب) هو اسم البطلة التي كانت تدرس التاريخ في جامعة دمشق، ولكنها عافته، فهي لا تصدق ما يجري في الواقع، فكيف تصدق ما كُتب في التاريخ!، بقذيفة تموت أمها وأبوها، لتبقى هي أسيرة الحزن، ثم أصبحت هناك علاقة حب بينها وبين الحزن، وتخصص يومياً ساعات للبكاء، الذي أصبح مطواعاً يأتي كلما استدعته. والفيسبوك هو المحرك الذي قد يطور هذه العلاقة ويجردها من كل عقال، دافعاً إياها في كل الاتجاهات، فكتبت ما يجول بخاطرها “في هذا العالم المُحْزِن، لا شَيء يمنحُنا السعادةَ أكثر من الحبّ “.

بين تخوين أو تكفير

هكذا إذاً .. نشأت علاقة حب افتراضية على صفحات العالم الأزرق التي تتمحور الرواية حولها، بين (حب ) و(ملاك) ذلك الطالب الذي لم يستطع إكمال دراسته نتيجة قمع النظام، فالتجأ إلى بلدته في حلب، بداية الثورة قبل أن يسيطر عليها تنظيم داعش، ليقع بين نارين، النظام الذي يقصفهم من الخارج بكل ما استطاع، والتنظيم الذي يحصي أنفاسهم كذلك بكل ما استطاع، ولكن تبقى (السوشال ميديا) فاتحةً ذراعيها، لتحدث تغييراً جذريا في بنية العلاقات الاجتماعية التقليدية بين الناس” في هذا العالم الافتراضي، سيكونُ الحب مختلفًا –دومًا-، نقرةٌ على الإعجاب قد تعني غمزَة، وتعليقٌ قد يعني حديثًا تعارفيًا سيكبر، والدردشةُ الخاصةُ بدايةُ الحكايةِ إلى الأبدية”.

الاتجار بالدين

ملاك ذاك المثقف المعجب بشعر محمود درويش وبفلسفة ابن رشد، كان يدون ما يدون آراءه بمنشورات على الفيسبوك تحت اسم مستعار لا يعرفه إلا قليل جداً من أصدقائه، كمنشوره هذا “التجارةَ بالأديانِ هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجَهْل، فإذا أردتَ أن تتحكم في جاهلٍ، ليس عليك إلا أن تُغلّف كل باطلٍ بغِلاف الدين” . ورغم أنه قد اتخذ كل احتياطاته ولكنه لم يتقِ شر من أحسن إليه، فصديقه زهران الذي أعطاه بعض المال كي يهاجر إلى أوروبا، هو الذي وشى به، بعدما عاد من أوروبا كقياديّ في تنظيم داعش، تحت اسم أبو دجانة، نتيجة عملية تجنيد خبيثة، بل هو من عذبه واستجوبه، ولكنه في النهاية هو من هرّبه كذلك الى الحدود السورية التركية، وأعطاه المال، بعد أن ذكّر ملاك بقصة حب زهران مع سحر، في متوالية الشر والخير، الذي ينتصر دائماً!. فيقرر ملاك الهجرة إلى أوروبا.

الاتجار بالبشر

بشكل متوازٍ تسير القصة، فبطلة الرواية حب يخدعها أخوها الذي فر من سوريا إلى لبنان كي لا يسحب إلى جيش النظام، ولكنه هناك أصبح يعمل كمتّجر بالبشر، ومزور وثائق، فتشي الأخت بأخيها للسلطات اللبنانية، ليأتوا ويعتقلوه، كذلك في متواليةٍ لانتصار الخير! فتقرر أيضاً حب الهجرة إلى أوروبا، ورغم أن التواصل قد انقطع بينها وبين ملاك بعد سجنه، إلا أنها تلتقي به على ظهر المركب المطاطي، فأثناء رحلة الهجرة نزلت في فندق بإسطنبول، ولكن موظفة الاستقبال، أوقعت بها وخدرتها لتمارس معها الرذيلة بعد أن صورتها، لتحملها إثماً لا علاقة لها به. وكرهت حب النساء من حينها فقررت أن تبيت مع الرجال المهاجرين، بعد أن رشت المهرب، لتقودها الصدفة الدرامية إلى مكان ملاك الذي عرفته دون ان يعرفها فقد كانت ملثمة، ونتيجة الازدحام ضاع عنها، فانتظرت إلى الأخير، فوجدته منتظراً، فهو يريد أن يكون فيلسوفاً حتى في رحلة الموت هذه، على ما تقول الرواية، ولكن القارب ينقلب، فيصبح ملاك في عداد المفقودين، بينما يتم إنقاذ حب إلى إحدى الجزر اليونانية، بعد أن فقدت حبها.

تحليل علاقات السوشال ميديا

رغم أن الكاتب شاب وهذه تجربته الروائية الأولى، ولكنه ينفذ إلى عمق الشخصيات الروائية، ويفكك ويركب العلاقات الاجتماعية الجديدة الناتجة عن ثورة الاتصالات الحديثة، عبر سرد قصصي قائم على لسان ما يسمى بالراوي كليّ العلم، وهو راوٍ خارج شخصيات الرواية، التي هي -حسب علمي- أول رواية سورية تتناول علاقات الحب عبر (السوشال ميديا). وتتطرق الرواية كذلك إلى مهربي البشر وعلاقاتهم ونظرتهم للأمور، وكيف جلعت الحرب من الجميع متهمين ” في الحرب الأخيرة كلُّ الناس أصبحوا متهمين في هذه البلاد، من بقيَ اُتهُّم بالاستفادة، و من غادر اُتهم بالخيانة و الجبنِ، و من علق على الحدود اُتهم بالإرهابِ ، و من صار لاجئًا كانت هذه الكلمة تهمتهُ الكبيرة”.

عالَمٌ يجعل المقتول كالقاتل

وسأنهي مقالي هذا بمقتطف بين حب وأمها الرمادية التي لا موقف لها، عندما كانت حب تشتكي لأمها الضجر وتريد أن تخرج نزهة، كما قبل اندلاع الثورة فتجيبها الأم برمادية قاتلة، عبر الدعاء لنصرة الحق “تَسْتغربُ حُبّ كلامَ أمِّهَاْ، تتذكّرُ مَاْ كتبَهُ أحدُ زملائِهَاْ فِي الجامعة -الَّذِي هَاْجر إلى أوروبا- عن الحقّ الواضحِ كعين الشمسِ: “طرَفٌ قَاْتلٌ و آخر مقتولٌ، طرفٌ خبيثٌ وقَف العَاْلُم معه، و طرفٌ غَرٌّ استغلَّه العَاْلَم إلى أبعدِ الحُدود حتى أصبحَ يُقَاْرَنُ بالقَاْتل و يفقدُ صفةَ الضَّحيةَ، هنَاْ ضَاْع كلُّ شيْء، عندمَاْ صار الكلُّ متشَاْبهًا فِي هذه الحَرْب من وِجهةِ نظر العَاْلمِ الَّذِي خلق هذَاْ التشَاْبه!”

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل