سلسلة الأمثال الشعبية للمأساة السورية – الجزء الثاني
للحيطان قصص مختلفة مع الشعب السوري، فالمواطن السوري يردد دائماً “عم نمشي الحيط الحيط ونقول يا رب السترة” في إشارة إلى التوجس والخيفة والابتعاد عن الناس، وتجنب الخوض في أي أحاديث جانبية مداراة للشكوك والشرور، فربّ كلمة عابرة تدفع ثمنها عمرك وحياتك ، من أجل ذلك تجد السوري يلتجىء إلى الحيطان ويمشي دائماً في ظلها بعيداً عن الظهور، على مبدأ المثل القائل “إبعد عن الشر وغني له”.
لكن عليك أن تنتبه لنفسك فللحيطان مخاطر وخيمة أيضاً، فإياك وأنت تمشي بجانب الحيط أن يساورك الشيطان بأي حديث مع نفسك في أي إشارة همز أو لمز تجاه نظام الأسد، فإن “للحيطان آذان”، وآذان المخابرات مزروعة في كل حيط من حيطان الوطن، فلا تفوتها فائتة، وأي همسة تصدر منك حتى لو كانت مبهمة، فقد تكون سبباً لكي “تروح على بيت خالتك” و “ما بتعود بتشوف الضو بعمرك” لكن بنفس الوقت “بتشوف نجوم الظهر”، لأنهم قبل أن يستفسروا منك عن معنى ما قصدت -من كلمتك المبهمة- “سيرفسونك” إلى الزنازين الأسدية تحت الأرض، وستقضي ما تبقى من عمرك داخل أربع حيطان لا تتسع لجسدك النحيل بعد أن يحولوه إلى شبح متقزم، فالحيطان التي كنت تمشي بسترها فوق الأرض قد خانتك، فهي التي سمعت بآذانها ما كانت تحدثك به نفسك، وهي التي رفعت تقريراً سرياً للمخابرات، فربما غاب عن ذهنك أنها تمتلك موهبة خاصة في فن الكتابة و”خطها ناعم جداً”.
لكن لماذا “بتروح على بيت خالتك” دون البيوت الأخرى؟ هل هناك أي خصوصية لبيت الخالة؟ ربما أن بيت الخالة يكون المكان الأكثر حناناً وأماناً على المرء، من أجل ذلك اختاره السوريون للتعبير بشكل “ملغوز” مداراة لآذان الحيطان، وللدلالة بشكل معكوس على مدى التوحش في أقبية الاستخبارات السورية.
بعد سنوات طويلة من المعاناة و الهروب من حيط إلى حيط، نفد صبر الشعب السوري، وذهب إلى الحائط الذي كان يمشي بجانبه ويقول “يا رب السترة” ، والذي له آذان كبيرة صاغية، وكتب عليه وبوضح النهار “إجاك الدور يا دكتور”، وثارت ثائرة الشعب “العايف التنكة”، وصرخ “الموت و لا المذلة” معلناً عن ثورته المباركة.
كان الشعب السوري يظن أن “حيطاننا قصار ومنعرف بعضنا مليح”، إلا أنه طلع شعب “درويش وعلى نياته” في مقابل نظام “طلع مشرّش” بالماسونية العالمية وموغل بالخيانة ومخضرم بالإجرام. فقال لهم “الأسد أو نحرق البلد”، فأحرق البلد ولم يترك حائطاً قائماً إلا وهدمه فوق رؤوس أصحابه.
ومع تهدم حيطان الوطن، لم يبق أحد من زناة العالم إلا و تدخل وبات له يد تعبث داخل سوريا، و”اختلط الحابل بالنابل” وأصبح الوضع معقداً إلى درجة أن دولاً عظمى تصرح في الصباح بتصريح ما، وتتراجع عنه عند المساء، يعني باختصار نحن والعالم أجمع “فتنا بالحيط”، ولم يعد أحد يعرف إلى أين تسير الأمور.
تحولت حيطان الوطن إلى ركام، ودفن السوريون مئات الآلاف من أبنائهم شهداء تحت ركام الوطن، لكن الذي دفن معهم هو نظام الإجرام الأسدي، ومهما كابروا سيعلنون يوماً ما عن موته -وإلى الأبد- مهما طال الزمن أو قصر. وخير دليل على ذلك، أن الشعب الثائر فضل أن يعيش في خيام ليس لها أي حائط يسند عليه ظهره المتعب من القهر والموت و الجوع، ودون أي سقف يقيه حر الصيف وصقيع الشتاء .لكنه يستطيع داخل خيمته المتواضعة أن يصرخ متى يشاء وبأعلى صوته “يلعن روحك يا حافظ”.
لقراءة الجزء الأول من سلسلة الأمثال الشعبية للمأساة السورية – “شعب عايف التنكة”
Sorry Comments are closed