اعتصام ساعة حمص الجديدة – دروس وعبر

زكي الدروبي20 أبريل 2018آخر تحديث :
اعتصام ساعة حمص الجديدة – دروس وعبر

لم يكن اعتصام ساعة حمص الجديدة حدثاً عادياً، بل كان يحمل في مضمونه عمقاً وخطورة تهدد عرش النظام.

لقد اعتمد النظام منذ بداية الثورة على عدة مقولات، منها أنه يحارب جماعات إرهابية تكفيرية، مرسلاً إشارات لحكام العالم المتعاطفين معه الذين كانوا يبحثون عن مصالحهم وعروشهم من ثورة الشعب السوري ومطالبته بالحرية ويبحثون عن وسيلة لإدانة هذه الثورة وقتلها، وللأقليات المذهبية والدينية بأن ما يجري مؤامرة مذهبية عليهم، تريد تصفيتهم وقتلهم، كما كان يهدف لإخافة شعوب العالم التي تعاطفت مع الثورة السورية وأهدافها في إسقاط النظام الاستبدادي وإقامة دولة ديمقراطية تعددية بدلاً عنه.

بتاريخ 17 نيسان من العام 2011 شاركت أحياء حمص بالمظاهرات يوم ١٧ نيسان احتفالاً بالجلاء، معلنة أن النظام مرفوض من قبل السوريين، وتصدت لهم أجهزة الأمن بالرصاص الحي .. وكانت المجزرة الأكبر في حي باب السباع، فانتفضت معظم أحياء حمص غضباً من مجزرة حي باب السباع، وتجمع الآلاف منهم في الحي للتظاهر ضد نظام الأسد وللمطالبة بمحاسبة القتلة، فأطلق عليهم الرصاص مرة أخرى، وما إن حاول الليل إرخاء سدله حتى كان هناك عدد آخر من الشهداء انضموا لمن سبقهم، واستمرت أصوات الرصاص حتى ما بعد منتصف الليل.

في اليوم الثاني خرج عشرات الآلاف من الجامع النوري الكبير غاضبين في موكب مهيب لتشييع أحد عشر شهيداً قضوا برصاص قوات الأمن، وأعلن عن إضراب لثلاثة أيام حدادا على أرواح الشهداء، وخلال مرور الجنازة الضخمة من حي الحميدية ذي الغالبية المسيحية، بادر أهالي الحي لإغلاق محلاتهم التجارية تضامناً مع مصاب ذوي الشهداء وتعبيراً عن حزنهم، ورشت النسوة الرز على نعوش الشهداء، وقدم الرجال ماء الشرب البارد للمشيعين.

بعد انتهاء مراسم دفن الشهداء عاد الجميع إلى ساحة ساعة حمص للاعتصام فيها، شارك فيه ممثلون عن كل مكونات المدينة، وألقوا كلمات تعبر عن تعاطفهم وتضامنهم مع ذوي الشهداء وغضبهم من القتلة، ومطالبتهم بمحاسبة المجرمين وتحقيق مطالب الشعب السوري.

لم يرق للعصابة المحتلة لسوريا مشهد التضامن الوطني هذا، فقد كانت الوحدة الوطنية في أبهى تجلياتها، مما شكل خطراً عليه، فساحة الساعة الجديدة بمركز المدينة، وهي تعبر عن محافظة حمص كلها، وهو قد دفع الناس للتظاهر في أحياء ذات طابع مذهبي ضيق، واضعاً أحياء تتسم بغالبية مذهبية ضد أحياء أخرى تتسم بغالبية مذهبية من طيف آخر، أما والمظاهرة والاعتصام يجري في وسط المدينة فهذا ينفي كذبه بمذهبة وطائفية الثورة، وينفي وجود الإرهابيين، ويدحض كذبه بعدم وجود مظاهرات، ويظهر لمن هو مخدوع بكلامه حقيقة المظاهرات السلمية الراقية التي تطالب بأهداف نبيلة لجميع السوريين.

حاولت العصابة الحاكمة دفع الناس ليعتصموا عند مسجد خالد بن الوليد ليضفي على المظاهرات والمتظاهرين صفة مذهبية، فلم ينجح، مما دفعه لخيار الحسم الأمني العسكري، فأطلق قطعان شبيحته ومخابراته على المعتصمين السلميين وفضوا الاعتصام بالرصاص الحي متسببين بمجزرة كبيرة.

استفاق أهالي حمص على هذه الأخبار المروعة، وعلى إثر هذه الأخبار نفذ عناصر مخابرات الأسد زيارات للعائلات المسيحية التي رشت الرز على نعوش الشهداء والتي قدمت مياه الشرب الباردة للمشيعين المتظاهرين، وهددتهم ودفعتهم للانزواء والابتعاد عن المشاركة الواسعة في نشاط الثورة الهادف لإسقاط النظام الاستبدادي.

ردت محافظة حمص على صفعة النظام بالتحدي، فاشتعلت معظم أحياء ومدن وقرى المحافظة بالمظاهرات المطالبة برحيل هذه العصابة ومحاسبتها على إجرامها، واستحقت حمص عن جدارة لقب عاصمة الثورة السورية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل