ثمة خلافات رأي بسورية، كانت وتتجلى اليوم، حول دور الكاتب المسرحي والشاعر محمد الماغوط، بحكم حافظ الأسد.
بمعنى بسيط، البعض يرى، بخاصة بمسرحيات محمد الماغوط التي أداها دريد لحام، مهدئات لحقن السوريين ليستسيغوا الإقصاء ويعتادوا الديكتاتورية ويسكتوا على كبت الحريات، ولسان حالهم يقول “أيمكن لأحد أن بقول ويعترض، أكثر مما كتب الماغوط وأداه لحام”.
في حين يرى آخرون، وهم الغالبية، أن الماغوط كشف عورات النظام الاستبدادي بسورية مبكراً، وسلط الضوء للسوريين، وهذه أقصى مهام المثقف، على مكامن التسلّط والديكتاتورية، وإن حرّفها بعض الشيء، الأداء “الرخو” لدريد لحام.
وهو تماماً وبالحرف، ما كتبه محمد الماغوط وأداه المبدع المرحوم نهاد قلعي خلال مسرحية ضيعة تشرين، “والتي تنتهي بتمجيد لحافظ الأسد الذي أوقف الانقلابات وانتصر بحرب تشرين ومنح الاستقرار للضيعة”.
والمشهد لمن لا يعرفه، يقول نهاد قلعي “لسه كل واحد منكم يتفلسف ويقول انهزمنا انهزمنا، هذه ليست هزيمة ولاه” يسأله الممثل عمر حجو “لكان هي شو” يرد قلعي “هي نكسة فكشة هيك شي”.
يقترب الممثل ياسر العظمة من أذن قلعي ويقول له همساً: “لقد انتصرنا بدليل أنك حي ومختار الضيعة وكنت أنت المستهدف من الحرامي” يرد قلعي”، ولكن برأيك ما بتتخن”.
يسأله الممثل أسامة الروماني “نحنا منتصرين ؟!!” يرد قلعي “أي أي لأن الحرامي لم يكن هدفه الكرم ولا الضيعة ولا البيادر، كان هدفه الوحيد تشيلني من المخترة وما قدر… لذلك هو المهزوم ونحن المنتصرون ولاه…يلعنك”.
ومسرحية ضيعة تشرين التي كتبها محمد الماغوط وأخرجها خلدون المالح، وطاف بها قلعي ولحام المنطقة العربية عام 1974، كانت تجسد فترة الخمسينات والستينات بسورية، وتركز على هزيمة حزيران 1967 “النكسة” وكيف اعتبر حزب البعث وقتذاك، أن بقاءه على قيد حكم سورية، هو الانتصار، بصرف النظر عن الخسائر المادية والجغرافية، إذ احتلت إسرائيل القنيطرة والجولان وقتذاك.
وهو ما يتكرر اليوم، وإن تحول التمثيل من خشبة المسرح إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة السورية، أو عبر تحليلات رجال الأسد على الشاشات، والتأكيد أن القصف الأمريكي الفرنسي البريطاني فشل في تحقيق هدفه، بدليل بقاء بشار الأسد على قيد الحياة ويحكم سورية.
نهاية القول: وكأن من الأهداف الخفية بالحرب على سورية وثورة السوريين، أن تتبدل المفاهيم وتختلط المعايير، فيغدو للانتصار مقاييس خاصة، تتعلق فقط، ببقاء القائد الممانع بشار الأسد، فتدمير المطارات بما فيها وهدم البنى التحتية أو إذلال النظام والمحتلين، مسائل هامشية أو ثانوية، لطالما القصر الجمهوري سليم والأسد على قيد الحياة وكرسي حكم أبيه.
بل تبدلت أيضاً، كل المفاهيم التي تاجرت بها الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، من ديمقراطية واشتراكية وعلمانية ووطنية، صار حتى للخيانة والاستعانة بجيوش خارجية على أبناء البلد، تبريرات وتفاسير جديدة، ربما لم تخطر لمحمد الماغوط على بال.
ليبقى السؤال الذي لم يجب عنه الماغوط، وهو المشهد الأخير من مسرحية “بشار الأسد بطل الممانعة والعلمانية”، إذ لم تزل الاحتمالات قائمة بإعادة إنتاج “المختار” وإن لفترة، بواقع التناحر بين الكبار على اقتسام سورية وكعكة خرابها، أو يغيّر “الحرامي” خططه وطريقة تعاطيه بمسرحية “ضيعة تشرين” فيطاول القصف بشار الأسد، حتى وإن كان معنوياً ليلزمه على الحل السياسي والرحيل وترك للسوريين، ما تبقّى من الضيعة والكرم والبيدر.
Sorry Comments are closed