مجدداً يظهر الصحفي البريطاني روبرت فيسك حاملاً على ظهر قلمه المأجور خطايا مواقفه الداعمة لنظام الأسد الكيماوي ورواياته المستفزة عن ضحايا قتلوا أنفسهم، وهذه المرة بالكيماوي فقط ليتسببوا بإدانة لولي نعمته بشار الأسد.
ورغم أن ترهات فيسك الصحفية تثير الضحك غالباً إلا أنه هذه المرة يدفع القارئ للسخرية من محاولته تجميل نظام أمس الاثنين، عن زيارته لعيادة طبية في مدينة دوما المنكوبة بالمجازر والتهجير، وعن شهادات الأهالي الذين مازالوا متواجدين فيها تحت رحمة نظام السد وحليفه الروسي.
وينقل فيسك عن أحد الأطباء هناك قوله أن المدنيين لم يُقتلوا بسبب الغاز الكيماوي المحم دولياً، بل بسبب نقص الأوكسجين في الملاجئ التي كانوا يقبعون فيها!
كما نقل الصحفي الذي بلغ منه الخرف عتياً عدة شهادات لسكان دوما حالياً تنضوي في جوهرها على تأكيد روايات نظام مجرم الحرب بشار الأسد المشروخة، من أن السكان كانوا يعانون من ممارسات الجماعات المسلحة المجحفة، واتهام “القبعات البيض” بالإرهاب، وإظهار النظام كالمسيح المُنقذ.
ولا يحتاج عاقل لدليل يؤكد أن شهادات هؤلاء المدنيين المسكونين بالرعب القاتل من مجرمي نظام الأسد وعناصر جيش التعفيش، ومرتزقة إيران الطائفيين، تكاد تشبع الاعترافات التي ينتزعها مجرمو فروع أمن بشار من المعتقلين تحت التهديد والتعذيب، فهم يدركون جيداً المعاني الحقيقية لنهج نظام الأسد الشهير “أحكمكم أو أقتلكم”. فالمواطن الذي يرزح تحت ظلم هذا النظام المجرم، مضطرٌ ومُجبر على ترديد الأكاذيب الذي اتفقت عقول مجرمي المخابرات السورية على اختلاقها وتعميمها، وإجبار المواطنين على التصريح بها لمختلف الوسائل الإعلامية من منطلق “كثر النق بيعلّم”.
إلا أن الواقع يروي غير ذلك تماماً، ففي الوقت الذي يروّج فيسك لهذه الادعاءات المبنية على التهديد الواقع على سكان دوما من قبل النظام، تمكنت صحيفة صنداي تايمز البريطانية من دحض هذه المزاعم التي يلفقها. حيث كانت أول مؤسسة إعلامية تنقل شهادات عدد من الناجين من مجزرة دوما الكيماوية في مخيمات الشمال السوري. وأشارت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته يوم الأحد الماضي إلى أن جميع الشهادات أجمعت على استخدام السلاح الكيماوي في دوما، حتى أن بعض الناجين مازالوا يعانون من أعراض الغاز الكيماوي الذي تغلغل في ملابسهم مما اضطرهم إلى اتلافها.
وبحسب شهادة أحد متطوعي الدفاع المدني الذي التقه الصحيفة وكان ممن شهدوا مجزرة الكيماوي في العام 2013 بغاز السارين، فقد أكد ان الأعراض التي ظهرت في مجزرة العام 2013 هي ذاتها التي ظهرت على المصابين والقتلى في دوما في المجزرة التي حصلت قبل ايام. مُشيراً إلى أن الأمر لم يقتصر على استخدام غاز الكلور فحسب، بل أنه تم استخدام غاز الأعصاب أيضاً. ودعم قوله بصور لجثث ملقاة على الدرج، موضحاً إنه لو كان غاز الكلور هو الوحيد المستخدم لتمكن الناس من الهروب، بعكس غاز الأعصاب الذي يتسبب بالتشنج العضلي.
وكان فيسك قد انتقد في مقال سابق له كل من الرئيس الأمريكي والفرنسي ورئيسة الوزراء البريطانية بطريقة لاذعة على ضوء الضربة الثلاثية التي تم تنفيذها ضد نظام الأسد، بهدف الانتقام للهجوم الكيماوي الذي استهدف المدنيين في دوما. وقارن فيسك بين مسألة كيماوي دوما ومناطق جنوب دمشق التي يستعد النظام لاقتحامها، وتساءل مُستهزئاً هل سيشهد العالم صوراً جديدة لقتلى بالغاز الكيماوي في جنوب دمشق كالتي رأيناها في دوما عندما فشلت المفاوضات؟ هل سيتعيّن على التحالف الأمريكي الفرنسي البريطاني إعادة تنظيم ضربات جديدة لنظام السوري؟
وفي إطار الرد على تشكيك فيسك واستهزائه من كون الصور القادمة من دوما قد شكلت أساساً تم الاستناد عليه لتنفيذ الضربة الثلاثية، يمكننا الاستشهاد بحوادث سابقة موثّقة عالمياً. إذا عدنا إلى المشاهد التي نُشرت عن مجزرة خان شيخون الكيماوية في نيسان من العام 2017 التي أعلنت لجنة تقصّي الحقائق الأممية مسؤولية نظام الأسد عنها، وأكدت منظمة الصحة العالمية تعرض خان شيخون لغاز كيماوي بحسب الأعراض التي ظهرت على المصابين، نستطيع أن نرى خطوطاً عريضة متشابهة ما بين مجزرة خان شيخون ودوما. فالصور القادمة من دوما تُشبه صور مجزرة خان شيخون من حيث الزبد المتراكم على شفاه الشهداء، وضيق التنفس المصاحب لاستنشاق الغاز الكيماوي، والتي تشكل أبرز أعراض التعرض لغاز كيماوي.
هذا بالإضافة إلى تفصيل غاية في الأهمية ذكره فيسك في تقريره المضلل، وهو أن الأقبية التي كان سكان دوما يختبئون فيها اتقاءً لقصف النظام، كانت السبب في موتهم بسبب نقص الأوكسجين. إلا النظام في الواقع استخدم هذه الأقبية بطريقة خبيثة، وقصف دوما مستخدماً الغاز الكيماوي على اعتبار أنه أثقل من الهواء، ويستطيع الموت أن يباغت المدنيين داخل الملاجئ.
“لم يكن هناك هجوم بالكلور على دوما” بهذه الكذبة حاول فيسك أن ينجز “خبطة صحفية”، متناسياً أن عيون الأطفال التي لسعها الغاز لا تعرف أن تكذب. وغافلاً عن أن فبركات أروقة المخابرات السورية باتت مكشوفة تماماً للعالم أجمع.
Sorry Comments are closed