استطاعت صحيفة “صنداي تايمز” الوصول إلى مخيم للمهجرين قسرياً من دوما شمال سوريا، وكانت أول مؤسسة إعلامية تصل إلى هناك وتحصل على شهادات من الناجين تؤكد حدوث المجزرة الكيماوية التي نفذها نظام الأسد في دوما.
وروت الصحفية في مقالتها شهادة “أماني” من سكان دوما سابقاً، حيث كانت العائلة تختبئ في قبو يضم 75 شخصاً آخراً قُبيل حدوث الهجوم، بدأت أماني تروي المشاهد التي عايشتها في دوما “كان صوت القصف قوياً جداً وكان الغبار في كل مكان، عمّ الهدوء لبعض الوقت، ثم سمعنا صوت ضربتين عنيفتين، ولكن لم يكن الصوت يشبه الانفجار، بل كان كسقوط شيء ما، ثم سمعنا صوت تسرب الغاز، تطوع شابان للخروج ورؤية ما يحدث وعادوا يصرخون: غاز..! غاز..!”.
وأشارت أماني إلى مجزرة الكيماوي التي نفذتها قوات الأسد في الغوطة الشرقية عام 2013، والتي راح ضحيتها 1400 مدني، وهذه الحقيقة أثارت ذعر جميع من كان في الطابق السفلي، لم تتردد أماني في حمل ابنتها ماسة والركض بها نحو الدرج، حيث كان الغاز والأتربة البيضاء يطوقانها، مما دفعت لسكب الماء على فم ماسة. ووصفت أماني الغاز بأنه كان حاراً وكأن فلفلاً ملأ فمها فضلاً عن السعال والإقياء، وأدى ذلك إلى غيابها عن الوعي.
وبحسب أماني كان في الخارج العديد من جيرانهم منهم من يبكي على أقاربه الذين كانت جثثهم ملقاة على الأرض والزبد يحيط أفواههم، وآخرون يرشقون الماء على وجوه من مازالوا واعين، أما بالنسبة للأقبية فقد كان هناك ثلاثة أقبية في الشارع الذي تقيم فيه أماني مات جميع من فيها. وعند وصول أماني وعائلتها إلى العيادة التي كان الموت مخيماً عليها ومليئة بالجثث، تم فرز الحالات الأخطر ليتم إسعافهم بأجهزة التنفس ورشق البقية بالماء.
ونقلت الصحيفة شهادة لناجٍ آخر يدعى إبراهيم: “رأيت الطبيبة هناك تبكي لأن لديها 40 مريضاً يحتاجون إلى الدواء وهي تملك دواء يكفي ثلاثة منهم فقط”، وقالت الصحيفة أن جميع الناجين من دوما الذين قابلتهم ذكروا نفس الأعراض، والتي استمرت في بعض الأحيان لعدة أيام، مثل الشعور بفقدان السيطرة على أطرافهم، الزبد على الفم، السعال، التقيؤ، والصداع الشديد.
وبحسب الأخصاء الطبيين فإن هذه الأعراض تتوافق مع التعرض لغاز الأعصاب، الذي يُعتقد أنه أصاب موقعين منفصلين على الأقل في دوم، وقال “هاميش دي بريتون غوردون” وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني، وخبير في الأسلحة الكيماوية ومستشار للمنظمات غير الحكومية في سوريا: “إن ما يصفونه هو الكلور ونحن نعتقد أنه عامل أعصاب ممزوج بالكلور”، إن استخدام كل من غاز الأعصاب والكلور ضد المدنيين محظور بموجب القانون الدولي.
وكان هذا الاستنتاج مطابقاً لشهادة “إبراهيم ريحاني” أحد المتطوعين في الدفاع المدني، وأحد الناجين من هجوم السارين عام 2013 على الغوطة، الذي تحدث عما كان يحدث عندما حاول إنقاذ الضحايا يوم السبت “لم أستطع الاقتراب، لم أستطع مساعدة أي شخص لأن الغاز كان قوياً للغاية، كان تأثير الغاز مثل السارين المخلوط مع الكلور، كان نفس هجوم 2013، وفي حال كان الغاز المستخدم في الهجوم الأخير هو الكلور فقط، يمكنك الهروب إذا شممته، لكن السارين تتنفسه ويقتلك “.
وبحلول صباح اليوم التالي انحسر الغاز، وأخذ ريحاني أقنعة الغاز ودخل مع فريقه إلى الطوابق السفلية، التي كانت مكتظة بالمدنيين الذين كانوا يختبئون من القنابل، وقد ماتوا جميعاً أطفال، نساء ورجال، مزدحمين معاً على الأرض، والزبد يكسو أفواههم، وقال ريحاني: ” لقد كان هناك العديد ممن ماتوا على الدرج، ولو كان الكلور لكان من الممكن أن يفروا، لكنهم ماتوا بعد اتخاذ خطوات قليلة”.
وأشارت الصحيفة إلى وجود العديد من المهجرين قسراً من دوما مازالوا يعانون من المرض، بينما يعاني آخرون من التلوث المستمر من ملابسهم وممتلكاتهم، ختمت أماني حديثها مجهشة بالبكاء: “لقد كان هناك أناس أبرياء، لقد كانوا أصدقاءنا، وأصبحوا اليوم أرقاماً، لكنهم ليسوا كذلك. إنهم مدنيون وعائلات”.
عذراً التعليقات مغلقة