تكرّر روسيا الآن خطاب النظام في سورية، وتدافع عنه بكل نواجذها. وهي في ذلك تكذب كما يكذب النظام، ولا شك أن عليها أن تكذب، لأن ما يفعله النظام من استخدام أسلحةكيميائية يطاولها، لأنها الضامن له، بعد أن قالت إنها سحبت كل المخزون الكيميائي لديه، وضمنت ألا يفعل الأمر مرة أخرى، في الاتفاق الذي جرى سنة 2013 بعد قصف الغوطة بغاز السارين.
لهذا، تستعاد الحجة نفسها أن ما جرى هو فبركة من أجل تبرير التدخل الأميركي. لم يلحظ لا الروس ولا كل مرددي هذه الكذبة أن أميركا لم تتدخل في السنوات الماضية، على الرغم من استخدام أسلحة كيميائية. وعلى الرغم من أن النظام وروسيا كانا يكرّران النغمة نفسها، أي أن الأمر يتعلق بفبركة، أو أن المعارضة هي التي قامت بذلك، لتبرير تدخل أميركي، وكذلك كرّر هؤلاء المرددون. وظهر أن الضربة لمطار الشعيرات بعد استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون لم تكن سوى رفع العتب عن دونالد ترامب الذي عيَّر باراك أوباما بأنه لم يلتزم بخطوطه الحمر. وبالتالي، لم يكن حديث عن قصف بالكيميائي لبلدة خان شيخون فبركةً من أجل تدخل أميركي.
بهذا يظهر تهافت هذا الخطاب، وكذبه، كما يظهر أنه يستخدم هذه الفكرة للتغطية على فِعْلة ارتكاب جريمة استخدام أسلحة كيميائية. كما ظهر أن أميركا وكل المجتمع الدولي ليسوا معنيين بقتل الشعب السوري بأسلحة كيميائية، ولهذا يعرقلون التحقيق الدولي، وهو ما أوضحه عديدون من أعضاء اللجان المعنية بالتحقيق في ارتكاب جرائم حرب في سورية. لهذا، لا تريد أميركا التدخل لكي تفتعل مثل هذا الحدث، أو تفبركه. وأن ردّها السابق، وما يمكن أن يحدث الآن، مرتبط بمسائل أخرى تتعلق بالعلاقة مع روسيا، والتكاسر لإثبات مَنْ يهيمن على العالم (وهذا موضوع آخر)، لهذا يمكن أن تستغل أميركا حادثة حقيقية لإظهار إرادتها. لكن الأمر هنا أن خطاب فبركة استخدام أسلحة كيميائية من أجل التدخل الأميركي متهافت، وكذبة باتت في غاية الوضوح. لهذا، تحت هذه الحجة التي تتكرّر، استمرّ النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية من دون أن يتدخل أحد، فالنظام يحضّر “الخطاب المضاد” قبل أن يقوم بممارساته الوحشية، هذا ما فعله منذ بدء الثورة. وكل خطابه هو ردود على ما سيفعل.
كما فعلت روسيا حين استخدم النظام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون، حيث ضاعت في صياغة الرواية الكاذبة، الأمر الذي جعلها تتحدث بأكثر من رواية، تناقض كلٌّ منها الأخرى، ها هي تكرّر الأمر نفسه في دوما، حيث ذكر مركز حميميم أن الخبراء في الأسلحة الكيميائية الروس ذهبوا إلى دوما، ولم يجدوا شيئاً مما يقال عن استخدام أسلحة كيميائية، بينما قال مندوب روسيا في الأمم المتحدة إن “الكيمياني الذي استخدم اليوم كان بقنابل يدوية”، وجرى اتهام جيش الإسلام بأنه مَنْ فعل ذلك. وروسيا معنية بالكذب للتغطية على ما جرى، لهذا خرج وزير الخارجية، سيرغي لافروف، مرات عديدة في يوم واحد لكي ينفي استخدام النظام، وما زال الروس يكرّرون الدفاع عن النظام، بالضبط لأنهم الآن متهمون كما النظام، لأنهم يحتلون سورية، وبالتالي لا يستطيع النظام القيام بعمل من دون قرارهم، ولأن روسيا هي الضامن أن النظام قد سلَّم كل المخزون الكيميائي الذي كان لديه، وكل الأجهزة التي تُصنِّعه. بالتالي، باتت هي المتهمة، ولهذا فهي تدافع بشراسة.
Sorry Comments are closed