دراسة: لماذا نساعد الفقراء جميلي المظهر بينما نتجاهل التعساء؟

فريق التحرير3 أبريل 2018آخر تحديث :
يجب أن نحاول تغيير موقفنا تجاه كل طفلة مثلتها “أنانو” تحيا مشردة في هذا العالم ـ أرشيف

هل تساعد طفلاً جائعاً رث الثياب؟ قد يبدو السؤال بديهيا لدرجة سخيفة، فمن لن يساعد طفلا جائعا فقيراً؟! إلا أن الإجابة في الواقع صادمة، فلن يساعده أحد!، وهذا ما أثبتته التجربة الاجتماعية في التقرير التالي، ولكن هل نكون جميعنا بلا رحمة أو شفقة أم أن هناك تفسيراً آخر لعدم استجابتنا لأصحاب الحاجة؟.

ما الذي ستفعله إذا رأيت طفلاً في السادسة من العمر وحيداً في مكان عام؟ بهذا السؤال يبدأ مقطع فيديو قصير من اليونيسف، حصل على أكثر من 2 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب. في الفيديو ترتدي أنانو -وهي ممثلة صغيرة تبلغ من العمر ست سنوات- ملابس مختلفة وتوضع في سيناريوهات مختلفة. وعندما ترتدي أنانو ملابسًا فخمة، نرى الناس يحاولون بنشاط وهمة عالية مساعدتها. ولكن عندما يتغير مظهر أنانو ليجعلها تبدو بلا مأوى، نرى أشخاصًا يتحاشونها وأحيانًا يخبرونها بالابتعاد عنهم. فلماذا يعامل الناس أنانو بشكل مختلف اعتمادا على طريقة ارتدائها؟

نص التقرير:

وللأسف الشديد فإن أحد التفسيرات- غير اللطيفة- لفعلهم ذلك هو أن الناس لديهم انحيازات راسخة ويفضّلون مساعدة أصحاب الامتيازات أكثر من المحرومين. فبعد كل شيء، تشبه أنانو في ثيابها الرثة طفلاً شحاذاً أو ابنة لمهاجرين بلا مأوى، والتي يمكن أن تكون قد تسببت في العديد من الإجحاف والتحيز ضدها. ومع ذلك، يمكننا أن نتخيل طفلاً مختلفًا من خلفية ثقافية مختلفة في ظروف مماثلة، ولن يكون من المستغرب أن نجد أن ردود فعل الناس لا تزال متشابهة.

في الواقع، يبدو أن الأشخاص في الفيديو لا يختلفون عنك وعني، فهل كنا سنستجيب بأساليب مختلفة لو كنا في وضع مماثل؟

أود أن أقترح طريقة مختلفة للنظر في قضية أنانو، وهي قضية تسلط الضوء على مشكلة أساسية في كيفية استجابتنا للآخرين. فهناك فرق مهم بين الضرورة والحاجة. فالحالة الملحة والضرورية هي التي تتطلب اهتماما فوريا وتصرفا مباشرٍا. على سبيل المثال، إذا رأيت شخصا يغرق فتلك ضرورة ملحة، لأن هذا الشخص سوف يموت إذا لم يأت أحد لمساعدته. أما الحاجة، هي أمر ضروري أو مهم جدا لشخص ما بشكل عام مثل السعي لبلوغ حياة كريمة والحصول على التعليم الأساسي الذي يعد حاجة أساسية للطفل، لأنه بدون التعليم الأساسي سيكون من المستحيل تقريباً على الطفل اكتساب المعرفة اللازمة ليكون فردًا فاعلًا في المجتمع.

ما قد يكشفه فيديو أنانو هو أنه عندما يرى الأشخاص الطفل الذي يرتدي ملابسًا نظيفة ولطيفة بمفرده في مكان عام، فإنهم يعاملون الحالة على أنها ملحة. في الواقع، إنه أمر غير عادي؛ حيث ربما تكون الفتاة مفقودة أو تائهة عن أهلها، وقد تواجه خطرًا أكبر إذا قابلها النوع الخاطئ من الناس. وبالنظر إلى تصور أن هذه قد تكون حالة ملحة، فإن الناس يتحفزون للمساعدة. وعلى النقيض من ذلك، عندما يرى الناس أنانو بثياب رثة، لا يبدو أنهم ينظرون إليها على أنه وضع عاجل. فللأسف، مشهد الأطفال المشردين شائع للغاية ونراه كثيرا. ليس من الصعب تخيل أن الناس يعتقدون أن هذه الفتاة ربما كانت في الشارع منذ فترة طويلة واعتادت على هذه الحياة أو أن أهلها ربما أرسلوها للتسول.

وبالنظر إلى هذا المفهوم، في حين قد يكون الناس غير متأكدين ممن يتحمل مسؤولية تلبية احتياجات الطفل المشرد (هل هما الوالدان؟ أم الحكومة؟)، يمكن رؤية كيف قد يعتقد الناس أنهم غير مسؤولين عن تقديم المساعدة لها. ويمنحنا هذا التمييز بين الإلحاح والحاجة تفسيرات مختلفة ومقبولة لسلوك الأشخاص في الفيديو، إلا أنه لا يبررها.

يكمن الخطأ الذي ارتكبه المارة، والذي من المرجح أن نفعله أنا وأنت، في الاعتقاد بأنهم لا يتحملون مسؤولية تجاه الأطفال المشردين الذين مثلتهم أنانو، فقط لأن الوضع ليس مُلحا. وفي الواقع، تقع على عاتقنا جميعا مسؤولية التأكد من تلبية الاحتياجات الأساسية لكل إنسان. بالطبع يعتقد بعض الناس أنه ما دمنا لا نؤذي الآخرين، فنحن لسنا ملزمين بمساعدة أي شخص خارج العائلة والأصدقاء المباشرين.

ولكن إذا كان هذا الرأي صحيحًا، فلن نكون مجبرين على مساعدة الغرباء حتى في وضع الضرورة القصوى. وتنتفي الدفعة الإنسانية الفطرية منا جميعا، لنفترض أنك ناسك، على بعد أميال من الحضارة ثم تجد رضيعة على عتبة دارك. سوف تموت الطفلة جوعا ما لم تطعمها، وأنت الشخص الوحيد القادر في هذه الحالة على مساعدتها. ولكن من وجهة النظر السابقة، لن تكون ملزما نهائيا بمساعدة الطفل، وسيكون عليك تركها تموت، لأنها ليست طفلتك ولم تكن أنت سبب تعرضها لهذا المأزق، ورأي كهذا يبدو قاسيا ومضللاً.

قد يعتقد أشخاص آخرون أننا مضطرون إلى مساعدة الناس في الحالات الطارئة فقط. لكن دعنا نضرب مثلا آخر، لنفترض أن رجلًا يبلغ من العمر 80 عامًا سيموت خلال يومين ما لم يتم مساعدته، بينما أمامنا امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا ويبقى لها سنة لتموت ما لم يتم مساعدتها. عندما لا تكون الموارد محدودة، يجب علينا بالطبع محاولة مساعدة كل منهما، لكن لنفترض أن الموارد محدودة ويمكننا إنقاذ واحد منهما فقط؟

في مثل هذه الحالة -رغم أن وضع الرجل أكثر إلحاحًا- يبدو أنه يجب علينا مساعدة المرأة! فمن بين أمور أخرى، ستستفيد المرأة أكثر بكثير إذا تم تقديم المساعدة لها.

إن حقيقة تحملنا في بعض الأحيان مسؤولية أكبر تجاه الأشخاص المحتاجين تعني أكثر من التوجه إلى أشخاص في أوضاع طارئة. وتقدر اليونيسف، أنه إذا لم نتصرف بحلول عام 2030 سيعيش أكثر من 165 مليون طفل حول العالم في فقر مدقع، أو سيعيش على أقل من 1.90 دولار في اليوم ويموت ما يقرب من 70 مليون طفل دون سن الخامسة لأسباب يمكن تجنبها إلى حد كبير وسيكون أكثر من 60 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و 11 سنة خارج المدرسة وسيتم تزويج 750 مليون أنثى طفلة.

وهذه الأرقام تشير إلى عدد هائل من البشر أصحاب الحاجة، على الرغم من أن حاجتهم قد لا تعتبر ملحة. ويجب أن نحاول تغيير موقفنا تجاه كل طفلة مثلتها أنانو تحيا مشردة في هذا العالم، وأن نكون أكثر تعاطفاً ونملك رغبة أكبر في مساعدتهم. يعلمنا فيديو أنانو أنه في حين أننا قد نكون مستعدين للاستجابة الملائمة للحالات الملحة والطارئة، فإنه بإمكاننا ويجب علينا القيام بعمل أفضل بكثير في الاستجابة لاحتياجات الآخرين حول العالم.

المصدر الجزيرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل