نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريراً بينت فيه أنه في ظل عدم وجود أي فرص واقعية لتحقيق السلام، وبعد الخطوة التي اتخذها ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، بات سكان قطاع غزة موقنين بأن الحل الوحيد للصراع القائم هو العودة للقضية الأساسية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن الفلسطينيين في غزة بدأوا منذ نسمات الصباح الأولى الاستعدادات لمسيرة يوم الأرض. وقد سارت هذه التحضيرات بشكل جيد، حيث نصبت الخيام على امتداد المنطقة العازلة، وتوافد كبار السن رافعين لافتات تحمل أسماء القرى والمدن التي تم تهجيرهم منها عندما كانوا أطفالا قبل 70 سنة خلت، ولم يسمح لهم بالعودة إليها.
وأضافت الصحيفة أن مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حركة حماس التي تمسك بزمام الأمور في القطاع، قد دعت إلى جعل هذه المسيرة سلمية، كما شددت على بقاء المتظاهرين بعيدا عن السياج العازل الإسرائيلي.
وأوضحت الصحيفة أن حوالي مائة قناص إسرائيلي تمركزوا على طول السياج العازل، وقد حرص جيش الاحتلال على إعداد استعراض للقوة الغاشمة، بعد وقت قصير من تسبب قذيفة مدفعية في مقتل عمر سمور، وهو مزارع فلسطيني يملك أرضا قريبة من المنطقة العازلة، ليكون بذلك أول شهيد في يوم الأرض، ولن يكون الأخير.
واعتبرت الصحيفة أن الرد الإسرائيلي الهمجي على التحركات السلمية في قطاع غزة، لم يكن بالأمر المفاجئ. فقد برر جيش الاحتلال استعراض القوة الذي قام به، بأن حركة حماس قد تستغل هذه المناسبة لتنفيذ عملية.
وأكدت الصحيفة أن الخوف الإسرائيلي الحقيقي ليس من عمليات حماس، وإنما من المشاركين في مسيرة العودة. فقد بات هذا النوع من الاحتجاجات يقلق السلطات الإسرائيلية بشكل متزايد، فلا شيء يسبب الفزع في إسرائيل مثل مطالبة الفلسطينيين بحقهم في العودة لديارهم التي عاشوا فيها قبل سنة 1948. ومن بين هؤلاء اللاجئين، كان سكان غزة الأكثر قوة وإقناعا، بما أن قراهم الأصلية لا تبعد إلا بضعة أميال عن حدود القطاع.
وذكرت الصحيفة أن الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948، التي نتج عنها إقامة إسرائيل، أدت إلى تهجير 750 ألف فلسطيني من الأراضي التي عاشوا فيها لمئات السنين، لذلك يسمي الفلسطينيون إلى اليوم خسارة أرضهم بالنكبة. ومن بين هؤلاء، هجر حوالي 200 ألف فلسطيني نحو غزة، وهم ينحدرون من القرى القريبة من القطاع الموجودة في الناحية الثانية، مما بات يعرف الآن بالسياج الحدودي المحيط بالقطاع.
وأفات الصحيفة بأن الأمم المتحدة، سنة 1948، صوتت بالموافقة على مشروع القرار عدد 194، الذي ينص على حق اللاجئين في العودة إلى قراهم، إلا أن التعنت الإسرائيلي لا يزال متواصلا. فقد عمد الاحتلال إلى استهداف كل من تجرأ على العودة، وإطلاق النار على من يحاول زرع الأرض أو استعادة ممتلكاته.
وقالت الصحيفة إن حلم الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم كان دائما معرضا لجهود إسرائيلية محمومة لتبديده، حيث كان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي عبر عن هذه المساعي لإنهاء القضية، من خلال قوله “إن الكبار سوف يموتون والصغار سوف ينسون”. لكن مقولة بن غوريون لم تتحقق في فلسطين، لأن اللاجئين لم ينسوا أبدا حقهم، وهو ما تثبته المشاركة الكبيرة في مسيرة العودة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المعاناة اليومية التي يعيشها سكان القطاع تحت الحصار المطبق، تجعل من المفاجئ رؤيتهم يخصصون وقتا للتفكير في الماضي. ومنذ تولي حماس زمام الأمور سنة 2007، عانى سكان القطاع من حصار اقتصادي خانق، ومروا بثلاث حروب مدمرة، كانت آخرها سنة 2014، وأسفرت عن مقتل 2500 شخص، وتدمير آلاف المنازل، وألحقت ضررا كبيرا بالبنية التحتية.
وأكدت الصحيفة أن هذه الحروب جددت ذكريات 1948، التي اعتبرها سكان القطاع بمنزلة النكبة الثانية. كما أن الحرمان الذي يعيشه السكان ذكرهم بماضيهم، عندما كانوا يعيشون مزارعين في قراهم التي سكنوها قبل سنة 1948 ويحققون الاكتفاء الذاتي. وفي الوقت الحالي، من الصعب توقع ما ستؤول إليه مسيرة العودة، وما إذا كانت ستنفجر وتتحول إلى حمام دم، أو ستتواصل في كنف السلمية مثلما يأمل المشاركون فيها.
وذكرت الصحيفة أن هناك توجها نحو مواصلة هذه المظاهرات إلى يوم 15 أيار/ مايو، الذي يوافق الذكرى السبعين للنكبة. وإذا تمكنت حماس من الحفاظ على السلمية في الجانب الخاضع لها من السياج العازل، فإن مطالب الفلسطينيين بحق العودة سوف تكون مسموعة، وستكون على الأرجح أكثر وقعا وأوضح مما كانت عليه خلال السنوات الماضية.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن يأس الفلسطينيين غذاه أيضاً قرار دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، وهو ما دفع الكثيرين من سكان غزة إلى التفكير في أنه لم يعد لديهم شيء ليخسروه، وأنه يجب عليهم الوقوف والالتحاق بالمسيرة.
عذراً التعليقات مغلقة