يُعد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب 71 عاما، أحد أبرز عناصر جناح “الصقور” المتشدد في الحزب الجمهوري الحاكم.
بولتون 69 عاماً، يحتفظ بسجل طويل من المواقف “المتشددة” والميل نحو استخدام القوة العسكرية خارج حدود الولايات المتحدة، ضمن ما تُعرف بـ”الحرب الاستباقية”، التي استند إليها الرئيس الأسبق، جورج بوش الإبن (2001-2009) في غزو كل من أفغانستان (2001) والعراق (2003)، في أعقاب عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2011 على الولايات المتحدة.
تولى بولتون منصب مساعد وزير الخارجية، ثم عينه جورج بوش الإبن، في أغسطس/ آب 2005، سفيرا في الأمم المتحدة، لكنه استقال، في ديسمبر/ كانون أول 2006، لقناعته باستحالة حصوله على ثقة مجلس الشيوخ، الذي كان الديمقراطيون سيمثلون الأغلبية فيه، اعتبارا من يناير/ كانون ثان 2007.
طيلة شغله مناصب مختلفة، ظل بولتون مقربا من دوائر صنع القرار الأمريكية، ومشاركا في صناعته منذ عهد الرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان (1983-1989)، وجورج بوش الأب (1989-1993).
وهو من المؤيدين لإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين (1979-2003)، إبان حرب الخليج الثانية، واستمر نهجه بحماس أكبر في ظل إدارة جورج بوش الإبن، الذي غزا العراق ومن قبله أفغاسنتان.
اتخذ جورج بوش الإبن قرار غزو العراق عندما كان بولتون وكيلا لوزير الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي، ومارس خلال فترة المداولات “ضغوطا” على الدوائر ذات العلاقة باتخاذ القرار، مثل وكالتي المخابرات المركزية والأمن القومي، في محاولة لإقناعهم بحث الرئيس على اتخاذ قرار الغزو.
ترامب وبوش الإبن
مع تعيينه، الخميس الماضي، مستشارا للأمن القومي اقتربت إدارة ترامب كثيرا من سياسات إدارة جورج بوش الإبن، التي اتسمت بسيطرة “صقور” الحزب الجمهوري (المحافظون الجدد) على القرار الأمريكي.
ومن أهم وظائف مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة هو ضمان حصول الرئيس على مجموعة من الخيارات والبدائل وحزمة متكاملة من المعلومات ذات الصلة باتخاذ القرار السياسي أو العسكري.
ولا يُخفي بولتون تفضيله استخدام القوة العسكرية ضد كل من إيران وكوريا الشمالية، على خلفية “تهديدات” مفترضة للأمن القومي الأمريكي، لامتلاكهما برنامجا نوويا، مع علاقات “غير ودية” مع واشنطن.
الاتفاق النووي مع إيران
وجاء تعيين بولتون مع اقتراب ما يمكن تسميتها مفاوضات “تاريخية” مع كوريا الشمالية منتظرة في مايو/أيار المقبل، وتصريحات أدلى بها ترامب، في 20 مارس/ آذار الحالي، بحضور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في واشنطن، قال فيها إنه “غير مسموح لإيران تهديد الاستقرار العالمي”، وإنه سيتخذ قرارا بشأن الاتفاق النووي مع طهران “خلال شهر على الأغلب”.
قبيل توقيع اتفاق الدول الست مع إيران بشأن ملفها النووي، عام 2015، استنتج بولتون أن طهران لا يمكن أن تتخلى عن برنامجها النووي، وأن العقوبات لن تعيق بناء مفاعلاتها النووية وتطوير صواريخها البالستية.
لذلك اعتبر بولتون أن العمل العسكري وحده يبدو قادرا على فعل شيء ما، كما فعلت إسرائيل، عام 1981، بضرب مفاعل “تموز” النووي العراقي، ثم تدمير المفاعل النووي السوري، في 2007، والذي كان في طور البناء من جانب كوريا الشمالية.
تعيين بولتون، وفق خبراء، إلى جانب وزير الخارجية، مايك بومبيو، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، يعني في نهاية المطاف أن مصير الاتفاق النويي مع إيران هو الإلغاء من جانب واشنطن، بينما ذهب آخرون، بينهم تريتا بارسي، رئيس المجلس القومي الإيراني- الأمريكي، إلى أبعد من ذلك، باعتبارهم أن تعيين بولتون وبومبيو هو في الأساس “إعلان حرب على إيران”.
وأخبر بولتون أعضاء في منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية (معارضة) في باريس، أن على ترامب مراجعة سياساته تجاه إيران، وتحديد أن نظام حكم الثورة الإسلامية في إيران لن يكون موجودا بحلول ذكراها الأربعين، في فبراير/ شباط 2019، ويجب أن تكون “السياسة الأمريكية المعلنة هي الإطاحة بنظام الملالي في طهران، فسلوك وأهداف النظام لن تتغيَّر، وبالتالي يبقى الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه”.
لكن ليس بالضرورة أن ينصح بولتون رئيسه بالإطاحة بالحكومة الإيرانية، رغم إصراره، قبل تعيينه مستشارا للأمن القومي الأمريكي، على إلغاء الاتفاق النووي وتمزيقه وتغيير النظام في إيران.
وتسود حالة من “التشاؤم” في الأوساط الإيرانية بشأن مستقبل الاتفاق النووي، بعد مستجدات “إعادة” صياغة دائرة صنع القرار الأمريكية وتعيين بومبيو وزيرا للخارجية، مع ما عرف عنه من مواقف “متطابقة” مع ترامب، الذي يعتقد أن الاتفاق النووي “رهيب”، بينما اعتبره وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، “مقبولا”.
ويضع ترامب الاتفاق النووي بين خياري “الإلغاء أو القيام بأمر ما”، ولا يجد خيارات كثيرة، نظرا لكون الاتفاق ليس ثنائيا بين طهران وواشنطن، بل اتفاق أبرمته مع إيران الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا) إلى جانب ألمانيا.
وتعتقد إيران، على لسان نائب وزير خارجيتها عباس عراقجي، أن واشنطن “مصممة على الانسحاب من الاتفاق”، وأن “التغييرات داخل وزارة الخارجية (الأمريكية) أجريت لهذه الغاية، أو أنها على الأقل أحد أسبابها”.
وتهدد طهران “بالتخلي” عن التزاماتها بموجب الاتفاق، “إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، ولم ينجح الأوروبيون في إبقاء الولايات المتحدة فيه”.
وهو موقف مناقض لموقف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي يكرر الإعراب عن التزام بلاده بالاتفاق “حتى لو تخلت عنه الولايات المتحدة، “طالما يعود بالفائدة على إيران”.
كوريا الشمالية
لم يبد بولتون أي دعم للوسائل الدبلوماسية للتفاهم مع كوريا الشمالية حول أسلحتها النووية، قبل تعيينه في منصبه الجديد، الذي يأتي قبل أسابيع من لقاء منتظر بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية، يكم جونغ أون، في واشنطن، لم يتحدد موعده، لكن يعتقد أنه سيعقد في مايو/ أيار المقبل.
وجاء اختيار بولتون ضمن مسار من الاستقالات والإقالات منذ وصل ترامب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير/ كانون ثان 2017، طالت نحو عشرين من كبار مسؤولي الإدارة والدائرة القريبة من الرئيس نفسه، كان آخرها إقالة كل من وزير الخارجية، ريكس تيلسرون، ومساعده ستيف غولدشتاين، ومستشار الأمن القومي، هيربرت ماكماستر.
وخلال عام وأشهر قليلة من توليه الرئاسة، وبعد سلسلة من الإقالات والاستقالات، أحاط ترامب نفسه بمجموعة من المسؤولين المتفقين مع وجهات نظره في القضايا ذات الأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل كوريا الشمالية وإيران.
ومن بين أهم المسؤولين الذين سيكون لهم دور فاعل في رسم السياسات الأمريكية، كل من بولتون وومبيو، وجينا هاسبل، المديرة الجديدة لوكالة المخابرات المركزية.
وفي أعقاب انتخاب ترامب رئيسا، كتب بومبيو، في تدوينة بموقع “تويتر”: “أتطلع الى التراجع عن هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم (يتهم إيران)”.
ومع وصول بولتون إلى دائرة صنع القرار الأمريكية يمكن القول إن ترامب قرر عقد “مجلس حرب”، بوجود مسؤولين “متشددين” يؤمنون بشن حروب خارجية لإحداث تغييرات مطلوبة أمريكيا، مثل بولتون وبومبيو، لكن يبقى هذا المجلس بحاجة إلى إقالة وزير الدفاع، جيمس ماتيس، وتعيين “صقر” جديد من “المحافظين الجدد”.
عذراً التعليقات مغلقة