ليس غريبًا في كوريا الجنوبية أن يعمل العمال 12 ساعة متواصلة في اليوم. إذ يجهد العمال أنفسهم لإظهار اجتهادهم وتفانيهم في العمل، ما شكل عاملًا من عوامل الازدهار الاقتصادي في البلاد، إلا أن ذلك يؤثر الآن على سكان كوريا الجنوبية، إذ انخفض معدل المواليد في البلاد وارتفع معدل الانتحار، ما دعا الحكومة إلى البدء في اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه المشكلة، فبدأت بتخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعية من 68 إلى 52 ساعة، وأعلنت –وفقًا لتقرير قناة “بي بي سي” عن إطفاء إلزامي لجميع حواسيب الموظفين في نهاية كل أسبوع بحلول الساعة السابعة من مساء كل يوم جمعة.
لا يشير التقرير إلى كيفية تنفيذ هذه الخطة أو العقوبات المفروضة على أرباب العمل والموظفين المخالفين لهذا الإجراء، إلا أن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ولا ريب أن هذا القرار لا يبدو حازمًا، فما جدوى تنفيذه؟
علينا لمعرفة جدوى هذا القرار المقارنة بين عدد ساعات العمل في دول أخرى مثل ألمانيا والدنمارك والنرويج، وبين كوريا الجنوبية، إذ يعمل الموظفون في هذه الدول الأوروبية بين 1363 إلى 1424 ساعة كل عام في مكاتبهم. ويقضي الموظفون في كوريا الجنوبية ما يزيد على 2069 ساعة فيها سنويًا. ويعني هذا أن بدء عطلة نهاية الأسبوع بحلول الساعة السابعة مساءً سيشكل تحولًا نوعيًا بالنسبة لهم.
يبدو وضع كوريا الجنوبية متطرفًا نسبيًا ، إلا أنها ليست الدولة الوحيدة التي يعمل موظفوها لفترات طويلة، إذ يعمل الموظفون في الولايات المتحدة الأمريكية 1783 ساعة كل عام، وهذا يزيد عن عدد ساعات عمل الموظف العادي في اليابان والذي يبلغ 1713 ساعة في العام، ما دعا إلى تصنيف هذه الدول في فئة المجتمعات المدمنة على العمل.
يحق لشركة أمازون في الولايات المتحدة الأمريكية –وفقًا لعدد من تقييمات موقع جلاس دور- فرض «العمل الإضافي الإلزامي» وإجبار موظفيها على العمل لمدة تصل إلى 60 ساعة أسبوعيًا (يعاد تقييم هذه السياسات في عدد من الدول، منها المملكة المتحدة)، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة في العالم المتحضر التي لا تمنح الأمهات إجازات أمومة مدفوعة الأجر، فيعانين من التمييز ضدهن أو يواجهن صعوبات مالية إذا قررن الحصول على إجازة بعد الولادة.
استمرار عمل الموظفين لساعات طويلة لا يعني أنهم سينتجون أكثر، إذ تتناقض إنتاجية الأفراد عند التعب، ما يؤدي إلى انخفاض الجودة والتأثير على صحتهم. لكن إذا لم يدعو ذلك الموظفين إلى خفض ساعات العمل، فإن ذلك يعود غالبًا إلى أسباب ثقافية، إذ يعد العمل لساعات أطول في العديد من البلدان مؤشرًا على أداءً أفضل.
عذراً التعليقات مغلقة