لخصت موفدة الولايات المتحدة الدائمة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي عبثية التعاطي مع الطغاة بتوجهها إلى نظيرها الروسي بالقول إنه إذا كانت روسيا تعتقد أن العالم لا ينقطع عن انتقادها، فالأحرى بموسكو أن تتوقف عن استخدام السلاح الكيماوي لتصفية معارضيها حول العالم، وأن تتوقف عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا ينفك عن قصف معارضيه بأسلحة كيماوية.
نموذج الحكم الذي يقدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحاول تعميمه دوليا، ويسعى لحماية كل الأنظمة التي تعمل بموجبه، هو نموذج بسيط يقوم على استخدام العنف المفرط للبقاء في الحكم ولحماية الأزلام والمنتفعين. في بلاد بوتين والأسد، ومعهما “مرشد الثورة” الإيراني علي خامنئي، عملية الحكم بسيطة وقائمة على حكم الأقوى.
حتى في العلاقة بينهم، يتعامل الأقوى مع الأضعف بتكبر وعنجهية، فصور لقاءات بوتين والأسد يندر أن تخلو من مشاهد الإذلال الذي يفرضه الأول على الثاني: مرة يستعرض بوتين وجنرالاته الأسد وحيدا في سوتشي، ومرة يحط بوتين في قاعدته العسكرية في سورية، وعندما يحاول الأسد مرافقته إلى باب الطائرة، حسب الأعراف الديبلوماسية بين الدول، يمسك ضابط روسي بذراع الأسد ويمنعه من اللحاق بالرئيس الروسي.
هذه الأنظمة تعيش بموجب شريعة الغاب بين بعضها البعض، وتفرض الشريعة نفسها على مواطنيها، وتمارس عنفا مفرطا على معارضيها أينما كانوا في أنحاء المعمورة، لتقديمهم عبرة لكل من تسوغ له نفسه التمادي على الطاغية، أو عصابته، أو حتى صورته.
لم تكن محاولة بوتين اغتيال عميل الاستخبارات الروسي السابق سيرغي سكريبال الأولى من نوعها. في العام 2006، سمم عملاء بوتين في لندن الروسي ألكسندر ليتيفنكو بمادة البلونيوم. وبين الحادثتين، تعرض المعارضون الروس في لندن وباريس وبرلين، وحتى في واشنطن ونيويورك، إلى سلسلة من الأحداث الغامضة التي أدت إلى وفاتهم.
ومثل بوتين، يواصل نظام “الجمهورية الإسلامية” سلسلة اغتيالاته التي بدأها منذ اندلاع “الثورة” في العام 1979، منذ محاولته اغتيال شاهبور بختيار، رئيس حكومة إيران قبل الثورة، في باريس. فشلت المحاولة الإيرانية الاولى واعتقلت السلطات الفرنسية مدبرها، وهو اللبناني أنيس النقاش، الذي سبق أن شارك الإرهابي كارلوس في عملية اختطاف وزراء نفط أوبيك في فيينا منتصف السبعينات. والنقاش يعزو إلى نفسه فكرة إنشاء وتسمية “الحرس الثوري الإيراني”، لحماية الثورة الفتية من إمكانية ردة فعل ضباط الشاه بعد الثورة.
واظبت طهران على محاولة اغتيال بختيار حتى نالت منه في العام 1991، وتم اعتقال أحد المنفذين وسجنه 18 عاما. بعدها عاد القاتل إلى إيران، وتم استقباله استقبال الأبطال.
ومطلع العقد الحالي، حاولت إيران اغتيال سفير السعودية في واشنطن، وزير الخارجية الحالي، عادل الجبير. وفي نيسان/أبريل الماضي، اغتال عملاء “وزارة الاستخبارات” الإيرانية المعارض البريطاني من أصل إيراني سعيد كريميان، أثناء زيارة كان يقوم بها إلى اسطنبول.
أما الأسد، ربيب الكيماوي بوتين ونظام الاغتيالات الإسلامي، فهو ـ ووالده الراحل حافظ الأسد من قبله ـ مارسا مزيجا من الاثنين.
في لبنان، يحفظ اللبنانيون عن ظهر قلب لائحة ضحايا اغتيالات نظام الأسد، من زعيم الدروز كمال جنبلاط والصحافي سليم اللوزي، إلى رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميل، ورئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والصحافي سمير قصير، والنواب بيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، والضباط فرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن.
أما عندما يتوقف الأسد عن اغتيالاته في لبنان، فهو يفعل ذلك لانشغاله بقصف مواطنيه بالأسلحة الكيماوية، كما في هجومي غوطة دمشق وخان شيخون، وبينهما وبعدهما سلسلة من الهجمات بالغازات المسموحة للاستخدام المدني ولكن المحظورة دوليا في الاستخدام العسكري.
على الرغم عن ثرثرة أنظمة بوتين وخامنئي والأسد عن ضرورة احترام سيادة الدول، يمعن كل من الثلاثة باختراق كل القوانين الدولية، من قتل معارضيهم المقيمين حول العالم، إلى استخدام الكيماوي، المحظور منه وغير المحظور، للقضاء على الخصوم.
هي أنظمة ظلامية قاتلة، تغتال بالكيماوي ومن دونه. ثم تتحدث عن عظمة شعوبها، أو ما تبقى من هذه الشعوب المغلوب على أمرها تحت حكم قبضات حديدية تحمي الفساد والمجرمين وتطال الأبرياء والمنفيين.
Sorry Comments are closed