روسيا ما بعد الانتخابات.. ومأزق المتحكّم

جمعة الحمود17 مارس 2018آخر تحديث :
روسيا ما بعد الانتخابات.. ومأزق المتحكّم

لن يكون شكل المرحلة الروسية في سوريا والمنطقة ما بعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي كما قبلها، خاصة مع تبلور المأزق الأميركي المتحكّم بادارة الصراع السوري.

تدرك روسيا تماماً ان الصراع في سوريا هو جزء من ساحة الصراع العالمي والإقليمي المفتوحة مع أمريكا والغرب عموماً، الآن وقبل أيام أو ساعات قليلة تفصلنا عنها، تدرك روسيا ويدرك بوتين أنه سيدفع ثمن أخطاء السياسة الروسية عندما اختارت الوقوف في طرف النظام الحاكم في سوريا لحسم الصراع عسكرياً ضد ثورة الشعب السوري المحقة بمطالبها، والتي حولها عنف النظام إلى ثورة مسلحة للدفاع عن حاضنتها الشعبية التي تعرضت لشتى أنواع القتل والاعتقال والمجازر والتهجير، والذي استعان بالإيرانيين وحزب الله اللبناني لقمعها وفشلوا، ليأتي التدخل الروسي الخاطئ كشريك للنظام وايران وميليشياتها في الحرب على شعب أعزل يقتل على يد الروس وتدمّر بنيته التحتية من مدارس ومشافي بقصف الطائرات الروسية لإخماد ثورته والإبقاء على حكم النظام والاستئثار بالحل على طريقتها ومقاس حليفها الأسد، الذي ترى في بقاء حكمه تحقيقاً لمصالحها وأهدافها ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والمبادرات الدولية والاقليمية للحل، ابتداء من موافقتها على المبادرة العربية واعلان جنيف1 نهاية حزيران 2012 لإدراكها ضعف النظام في ذلك الوقت وإنقاذ سقوطه من خلال سلطة انتقالية بمشاركة النظام، تلك المرونة يومها اصطدمت برفض الإسد وإيران لأي نوع من الاصلاح ليزداد بعدها الطابع الإسلامي لفصائل المعارضة وتبرز الجماعات السلفية القوية، وبات الدعم الروسي أقوى من قبل.

عقب أحداث أوكرانيا في شباط 2014 وضعف الوضع العسكري للنظام وحليفه الايراني صيف 30 ايلول 2015 تدخلت روسيا بشكل مباشر وبكل ثقلها العسكري لإنقاذ النظام من السقوط وانبرت للدفاع عنه سياسياً في المحافل الدولية من خلال استخدام حق النقض تارة وإفراغ القرارات من مضمونها تارة أخرى وأهمها وثيقة جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و 2254، ومن خلال التدخل الروسي انقلب الموقف العسكري لصالح النظام.

ومنذ ذلك التاريخ بدء انزلاق روسيا الفعلي في المستنقع السوري بفعل سياسة المتحكّم الأمريكي والأفعال السلبية التي تتعمد في كلّ مناسبة إظهار ضعفها وضعف حلفائها الغربيين في مواجهة روسيا التي بلعت الطعم كما رسم الثعلب الأميركي الماكر وأطلقت لنفسها بالعربدة والبلطجة على الساحة السورية والدولية معاً سياسياً وعسكرياً.

تبدلت المعادلة السياسية والعسكرية في غير صالح الثورة والمعارضة وتوسعت سيطرة النظام بعد عملية أستانة التي ساعد بها التفاهم الروسي الإيراني التركي ومؤتمر سوتشي بعد تخطي أزمة علاقتها مع تركيا بفعل إسقاط الطائرة الحربية الروسية على يد تركيا وخروج الأخيرة معافاة من الانقلاب الفاشل الذي أيدته أمريكا ضمناً.

هذا التدخل الروسي العسكري والمباشر والتفاهم الروسي التركي الايراني مكّن النظام من استعادة حلب ومناطق واسعة بريف إدلب بما يسمى شرقي السكة ومطار أبو الظهور العسكري إضافة لمناطق شرقي حمص. وتظهر تجليات الدور الروسي بالهجوم الوحشي على الغوطة الشرقية كجزء من حرب التصفية للثورة وحسم الصراع عسكرياً وفرض الأمر الواقع على المستوى الداخلي والخارجي.

إن بوتين الذي وعد بالنصر في سوريا سريعاً واعادة مجد روسيا خلال الحقبة السوفيتية البائدة على غرار النصر في الشيشان وجورجيا والقرم بات يعلم الآن أن هذا مطلب بعيد المنال فروسيا لا تستطيع الإقدام على اكتساح المعارضة رغم قدرتها على ذلك فهذا لا يخدم مصلحتها لأنه يجعل من إعادة الاستقرار أمراً صعباً، ومن جهة أخرى فإن هذا لا يلقى قبولاً من الخليج وأوربا والمؤسسات الدولية التي ستساهم في ملف إعادة الاعمار خاصة وأن روسيا تخسر سمعتها في العالمين العربي والاسلامي بسبب ما ينتجه تدخلها العسكري الخاطئ لصالح النظام من ويلات ودمار ما زال يلحق بالسوريين.

وبناء على هذا الحال فإن روسيا في مأزق كبير وكذلك حلفائها الحاليين وأقول الحاليين لأنه لا ثابت في السياسة وسمتها التغيير حسبما تقتضيه المصلحة.

هذا المأزق هو بكل تأكيد بفعل سياسة المتحكّم من نقطة التحكّم الاستراتيجية التي سيطر عليها الثعلب الأميركي شرقي الفرات، فكل من يعتقد أن احتلال أميركا لشرقي الفرات بسبب النفط والغاز وثرواتها الباطنية يجانب كثيراً من الصواب، فقد يكون ذلك جزءاً من كل الأهداف التي تسعى لها الادارة الأميركية لتمويل الموالين لها وتمويل حربها في المنطقة كي لا تخسر شيئاً من جيبها.

إن التموضع الامريكي شرقي الفرات هو في الحقيقة نقطة تحكّم وبدائل للمناورة، وهو بديل للعراق الذي لن تتخلى عنه وعن نفطه، ومركز تحكّم بإيران من خلال الحدود العراقية السورية بوجهها عندما تحين ساعة العقاب، فشرقي الفرات الذي يمتد من الحدود التركية والعراقية حتى قاعدة التنف عند مثلث التقاء الحدود الاردنية والعراقية والسعودية يعتبر مساحة كبير للمناورة في كل المنطقة، وهو وتحكّم بتركيا التي وضعت قدماً مع روسيا من خلال تحريك الورقة الكردية التي لم تتضح مآلاتها حتى الآن إذا ما حاولت أن تغرد خارج السرب الأميركي، والأهم من كل ذلك وضع حدود لمساحة تحرك روسيا لا يمكن أن تتخطاها فأي تزويد للمعارضة بصواريخ أرض-جو سيمرغ أنف روسيا بالتراب، ولا يمكننا أن نغفل الضربة الأميركية للروس عبر الطائرات المسيرة على مطار حميميم، والضربة لقواتها التي هاجمت حقول كونيكو مع النظام والمليشيات الايراتية في البادية السورية ما زالت ماثلة للروس، ومن البديهي أن القواعد الأميركية شرقي الفرات والتنف لن تنسحب منها أمريكا طالما بقيت القواعد والقوات الروسية موجودة في سوريا.

إن روسيا بحاجة حلّ لهذا المأزق، والحل الذي يحلم به بوتين مع أميركا والغرب لن يكون على مقاسه ومقاس بشار الأسد خاصة مع وجود عقدة ايران وميليشياتها التي يستخدمها الروس على الأرض.

هكذا هي لعبة الكبار وقد فشل الروس بإدارة الصراع وإنتاج حل يمهد لوقف الحرب ويضمن الحقوق ويحاسب الجناة الذين أوغلوا بدم الشعب السوري على مر السنين الماضية.

إن مجرد التفاهم الروسي التركي الايراني لا يزعج الادارة الأميريكية والغرب كثيراً ما دام في حدود التقاسم الوظيفي والاستخدام كأدوات خاصة مع تعهد الروس بحماية أمن اسرائيل كخط أحمر لا يسمح لأحد أن يتجاوزه، وإن روسيا أمام خيارين إما المواجهة أو المقايضة والتسليم بما يقسم لها، فإن اختارت المواجهة مع أميركا والغرب ستسعى للتحالف مع إيران وتركيا وهنا ستفكر الأخيرة بمحاذيره.

إن الحملة الأميركية والغربية الاعلامية في هذا التوقيت عشية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي كانت متوقعة بهذه الانعطافة اتجاه روسيا بسبب تعمد الأخيرة لعب دور يتجاوز حجمها الاقتصادي والسياسي، فمحاصرة روسيا تمهيداً لاضعاف ايران وميليشياتها وكل من ينوي التحالف معها سيكون على رأس الأهداف الاميركية والغربية بشكل عام، وإذا ما اختار الروس مبدأ التفاوض والمقايضة مع الغرب والتنازل في جزء من أماكن الصراع العالمي فبكل تأكيد لن يتنازل الروس في أوكرانيا من أجل الاستمرار بحماية النظام السوري الذي لم يعد مقبولاً في المحيط الاقليمي والدولي مع استمرار الثورة بالمقاومة لإسقاطه، خاصة أن روسيا تحولت بسببه وبسبب سياستها الخاطئة من خلال الوقوف بجانب القاتل إلى مجرد أداة تحركها إرادة وقوة المتحكّم الذي يدير لعبة الصراع والذي يعمل على إطالة إمد الصراع لإغراقها أكثر في المستنقع السوري لتصبح مثل بقية الدول الاقليمية التي تمد لها روسيا يدها كلٍ على حده.

ماذا ستفعل روسيا وكذلك ايران؟

ماذا ستفعل تركيا؟

كيف سيكون موقف السعودية ومصر؟

حال المنطقة يوحي بأنها تحضر لحرب كبرى، وبالنسبة لنا كسوريين لن نرى أسوء مما حصل ويحصل وأي مواجهة بين القوى المحتلة لسوريا سيكون إيجابياً ولصالحنا لأن ثورتنا مستمرة بما تملك ولن تتراجع أو تستسلم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل