أثبت مجلس الأمن فشله على مدى سبع سنوات في حقن دماء الأبرياء في سوريا المهدورة على أيدي مجرمي نظام الأسد وإيران وروسيا، وسط صمت عربي شارك بشكل أو بآخر بقتل الأحرار ومحاولة وأد الثورة.
فقد تظاهر المجلس -الذي تأسس لحفظ السلام العالمي وحماية حقوق الانسان عبر مواثيق دولية وقعت عليها 15 دولة- بالعجز، وهذا العجز ناتج عن غياب الإرادة لدى أعضاء المجلس الدائمين، والذين منحوا هذه العضوية بناء على موازين قوى فرضتها دول، هي نفسها ارتكبت آلاف الانتهاكات بحق الأبرياء في حروب دموية شهدها العالم خلال القرن الماضي، ما مكنها من فرض همينتها على باقي دول العالم، ومنحت نفسها حق النقض “الفيتو” الذي استخدمته أمريكا وروسيا عشرات المرات ضد قرارات تهدف لحماية حقوق الانسان في فلسطين وسوريا وغيرها من الدول.
وأثبتت جلسات المجلس المتعلقة بالملف السوري ازدواجية المعايير لدى الدول الأعضاء، التي تشكك في مناسبات كثيرة بفاعلية المجلس، وبالتالي تصيب الهدف الأساسي من إنشائه في مقتل.
ويبدو أن الهدف الأساسي من إنشاء المجلس ليس إلا تكريس هيمنة هذه الدول، لتقوم الدول العظمى بإدارة الحروب بطريقة شرعية وعلى وجه الخصوص في “الشرق الاوسط” وسوق قطيع الحكام الذين يمارسون إرهاب الدولة بحق شعوبهم لإرضاء دول الغرب.
وبعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة تولت روسيا دفة القيادة في المجلس وفي العالم، مما أشاع الفوضى في العالم والشرق الأوسط “بشكل شبه مقصود”، الأمر الذي كان في مصلحة روسيا لاستعادة “مجدها المسلوب” عبر الملف السوري.
بوتين والسياسة الستالينية في سوريا
اتبع بوتين في سوريا السياسة الستالينية تجاه معارضي نظام الأسد بقصفهم وقتلهم وبترحيلهم وارتكاب المجازر بمن بقي منهم، وذلك لإنقاذ “الولد المدلل” الذي يحكم دمشق، وعبر السماح لتنظيمي القاعدة وداعش بالتغلغل في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، لإضعاف كتائب الثوار وإعطاء دول التحالف الدولي الذريعة أمام شعوبها للتدخل في سوريا للقضاء على “الإرهاب” متغاضين عن الإرهابي الأول القابع في جحره في قاسيون والحامي لإسرائيل، ولكسب إيران طرفاً يسهل بتواجده تحقيق المصالح المشتركة في سوريا بغض النظر عن هدف كل منهما.
لم يتطلب القضاء على داعش سوى بضعة أشهر، كانت كفيلة في زيادة وتيرة المجازر بحق السوريين وتشديد الحصار وتجويع المدنيين في مناطق الثوار واستمرارية القصف وتهجير من وقف في وجه نظام الأسد وطالب بالحرية، وهي سياسة التجويع نفسها التي اتبعها ستالين ضد الفلاحين المناوئين له في الريف السوفياتي وفي أوكرانيا، وحرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها بين عامي 1937 و1939.
نجحت سياسة فصل مناطق الثوار عن بعضها وفرض الحصار عليها في استنزاف قوة كتائب الثوار وسكان تلك المناطق، لإجبارهم على أحد خيارين، الموت جوعاً وقصفاً أو التهجير وتسليم المنطقة برعاية الأمم المتحدة، كما حدث في حمص وحلب وغرب دمشق.
وهي السياسة ذاتها التي يتبعها بوتين في الغوطة الشرقية ولكن بتغير روسي في الخيارات وهو تهجير الفصائل المسلحة أو القضاء عليها، أما بالنسبة للمدنيين في مدن وبلدات الغوطة التي انتفضت كرجل واحد ضد نظام الأسد، فلم يكن لها خيار إلا الموت المحتم، ولم يتح لهم حتى اختيار طريقة موتهم وسط تنوع الأسلحة.
تهدف روسيا ونظام الأسد من هذه الإبادة الجماعية الدقيقة والمنظمة، إلى القضاء على أي بذرة لثورة مقبلة ولو بعد حين، وتوطيد حكم آل الأسد لـ50 سنة مقبلة، والتغاضي عن تغلغل الإيرانيين، وكأن الغوطة وريف دمشق هي حصة الإيرانيين مقابل مشاركتهم الإجرامية في حماية حكم آل الأسد، ولا يغيب عن البال أن المنطقة التي تسعى إيران للسيطرة عليها منذ زمن بذرائع دينية “تكنوسياسية” تعتمد على نبوءات لا تختلف كثيراً عن أساطير اليهود في حقهم المزعوم بأرض الميعاد!
وفيما لو تحقق لحلف بوتين- خامنئي – الأسد أن ينال ما يتمناه في ريف دمشق فإن طاحونة المجازر ستنتقل لتدور على أجساد السوريين في شمالي حمص وجنوب وغرب حلب، ومن ثم في نهاية المطاف في إدلب “الإبادة الكبرى” وليدفع أحرار سوريا جميعاً ثمن انحراف الفصائل عن أهداف الثورة الأولى، وتهافت قوى المعارضة السياسية واستسلامهم المهين والجبان لإرادات الدول الداعمة.
سيناريوهات هذه النهاية المرعبة ليست غائبة عن بال قادة دول مجلس الامن والأمم المتحدة، لكن ما يغيب عن بالهم حقيقة هو المهام الواقعة على عاتقهم والتي تنص في حالات الحرب كما في سوريا أن يقوم مجلس أو الأمم المتحدة بحماية المدنيين حتى لو اضطرت للقيام بعمل عسكري جماعي عملاً بقرارها المعنون ”متحدون من أجل السلام“ المؤرخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1950.
فلماذا يشارك قادة العالم في قتل السوريين بالصمت على جرائم روسيا وإيران والأسد؟
السؤال وإجابته سيبقيان علامة على التردي الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع الدولي، ولن ينسى السوريون ولا التاريخ هذا العار.
Sorry Comments are closed