في غمرة النضال التحرري للمرأة الغربية التي شاركت بموجة المد الثوري مع انتشار الأفكار اليسارية والنضال العمالي المطلبي لتحسين شروط العمل كان الشرق يحاول الخروج من سبات عميق عاش فيه لعدة قرون.
فبعد أن الشرق كان صانعاً للحضارة وفي طليعة العالم المتقدم، تراجع خطوات للخلف لتتقدم أمم أخرى، وتشارك في تطور البشرية والحضارة.
ففي الشرق نذكر زنوبيا ملكة تدمر التي هزت عرش أورليان، وكادت أن تطيح بالإمبراطورية الرومانية، وفي الشرق أيضاً عرفنا جوليا دومنا التي وصلت لعرش روما وأسست لسلالة حكمت روما ما يقرب من 300 عام وغيرهن من النساء اللواتي كان لهن فضل الريادة والسبق في مجتمعاتهن.
وفي الشرق عرفنا عائشة زوجة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، والتي كانت على رأس جيش يعارض الحاكم “الخليفة: وهو آنذاك ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، للمطالبة بمحاسبة من قتلوا الحاكم السابق له، وهو الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي الشرق أوائل القرن الماضي، نعرف الكثير من القصص عن السيدات السوريات الرائدات اللواتي وضعن بصماتهن في المجتمع السوري وفي الحضارة الانسانية، فقد عرفنا عن ماري عجمي الشاعرة والممرضة السورية المولودة عام 1888م، والتي أسست أول مجلة نسوية عربية أسمتها (العروس)، وكانت مناضلة ضد الاستبداد بآخر فترة الحكم العثمانية وضد الاحتلال الفرنسي لسورية. وفي الشرق أيضاً عرفنا الصحفية والناشطة الانسانية في مجال التوعية وفي مجال الدفاع عن الفقراء ودعمهم، وفي النضال ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، إنها عادلة بيهم الجزائري المولودة في دمشق عام 1900، والتي كان لها دور كبير في اطلاق الاتحاد النسوي السوري عام 1933. وفي الشرق أيضاً عرفنا الكثير من النسوة اللاتي ناضلن ضد الاستبداد وضد الاحتلال وأصدرنا الصحف ومارسنا العمل الثقافي والسياسي، ومازلن حتى اليوم مناضلات حقيقيات ضد كل أشكال الظلم والاستبداد، كائناً من كان الظالم.
وفي الشرق حالياً يحدث أن يصل حاكماً ما في غفلة من الزمن، ليؤسس لحكم أسرة، مطيحاً بالتجربة الديمقراطية التي كانت في خمسينات القرن الماضي، وليقتل كل من عارضه فابتدأ برفاقه الذين ساعدوه على انقلابه العسكري على الحكومة التي شارك هو أصلاً مع رفاقه في تنصيبها بدلاً من الحكومة المنتخبة.
هذا الحاكم اعتبر المرأة السورية أداة لتثبيت حكمه، فوضع وزيرة في كل حكومة ووضع عضوات في البرلمان الذي يختار أعضاءه هو وأجهزة المخابرات التابعة له، وما تبقى من نساء سوريا، فهم أما خانعات خاضعات لحكمه المستبد، أو رهينات في سجونه ومعتقلاته بدلاً من أحد أفراد أسرتهن.
ثم ابتدع نظام الأسد الأب طريقة سهلة لدفع خصومه ومعارضيه للاستسلام، وفي هذه الطريقة لا تبذل أجهزة مخابرات الأسد الأب ثم الابن فيما بعد عناءاً كبيراً للبحث عن المعارض لحكمه المطلوب رأسه من قبله، بل يكفي أن يعتقل والدته أو زوجته أو شقيقته أو ابنته، ويضعها رهينة لديه، وبين يدي حثالة من البشر، لم يعرف التاريخ مشابهاً لإجرامهم وقذارتهم، فيبتدعون في إذلال المعارض المختفي عن أنظارهم عبر إذلال الرهينة الموجودة لديهم، حتى يستسلم ويسلم نفسه لمخابرات الأسد كي يطلقوا الرهينة الموجودة بين أيديهم، ويحدث أن يسلم المطلوب نفسه، لكن أجهزة المخابرات تستمر باعتقالها ولا تطلق سراح المرأة الرهينة لديهم.
للمرأة لدى نظام الأسد الأب والابن وظيفة اخرى أيضاً، فهي عدا عن كونها رهينة لديه لإجبار المعارضين الفارين من نظامه على تسليم أنفسهم، فهي وسيلة ابتزاز أيضاً لإجبار المعتقل على الاعتراف بما يريدونه، وهي وسيلة إذلال وإهانة للمعتقل، عبر التعرض للمرأة أمامه، فكم من نساء تعرضن للاغتصاب أمام أزواجهن أو آباءهن أو أفراد أسرتهن، وهي وسيلة أيضاً لكسر إرادة الصمود والنضال ضد حكمه الاستبدادي.
يبدأ مسلسل الاذلال بالتعذيب وإسماع الكلمات النابية، وقد لا ينتهي بالاغتصاب المتكرر الجماعي لعشرات من ضباط وعناصر أجهزة مخابرات الأسد وهذا ما وثقته منظمات حقوقية حيادية.
الاغتصاب في سجون الأسد لم يكن يهدف لمتعة المغتصب فحسب، وليس حالات فردية، إنما سياسة ممنهجة لكسر إرادة المرأة وإذلالها هي وأهلها ومجتمعها، فكان ضباط المخابرات يمارسون حفلات الاغتصاب الجماعي، ويجبرون اهالي المعتقلات على مشاهدتهن وهن يغتصبن في محاولة لإذلالهم وكسر إرادة الحرية من هذا النظام المستبد.
حسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان فقد تعرضت أكثر من 7 آلاف امرأة منهم 400 قاصر للاغتصاب، وهذه الأرقام الموثقة، بينما الأرقام الحقيقية تفوق ذلك بكثير، لأسباب عدة، منها عدم رغبة الكثير ممن تعرضن لهذه الجريمة بالحديث عنها، ومنها عدم وضوح الأرقام الحقيقية للمعتقلات، فكثير من حالات الاعتقال تتم بشكل خطف، دون وثيقة تثبت الاعتقال أو مكانه.
في الفيلم الوثائقي “صرخة مكبوتة” المنجز في باريس، تجرأت نساء للخروج بوجههن المكشوف وأسماءهن الصريحة، للتحدث من خلال الفيلم عن تجاربهن في سجون الأسد وتجربة الاغتصاب الذي تعرضن له.
بالتزامن مع الضجة العالمية التي أحدثها الفيلم، وبالتزامن مع الضجة المحدثة حول حالات التحرش في الغرب، خرج السيد ماكرون ليتحدث عن ضرورة الحديث مع الأسد.
أي نظام عالمي قذر هذا النظام، نظام لا أخلاقي، بني على المنفعة الاقتصادية للنخبة الحاكمة ولم يبنى على الأخلاق والبرامج السياسية، فسوريا التي تحوي كنوز مهمة في باطن أرضها وسواحلها من فوسفات وغاز ونفط، لا تستحق ان ينال شعبها الحرية، إنما يجب أن يدعم القاتل المجرم الذي لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه ضد شعبه، لأجل كسر إرادة الحرية والسعي نحو الدولة الديمقراطية، ففي هذا خطر على المصالح الاقتصادية التي يبحث عنها قادة هذا النظام العالمي الحقير.
عذراً التعليقات مغلقة