لا يعقل أن يقف المجتمع الدولي عاجزاً أمام هول ما يجري في غوطة دمشق الشرقية من قتلٍ لمدنيين عزل، إلا إذا فسّر ذلك بوجود شبه إجماع دولي، غير معلن ربما، لكنه متفق عليه، أو على الأرجح مسكوت عنه، حيال عدم القيام بأي شيء جاد وحازم لإيقاف جرائم الحرب التي يخوضها حلف الأنظمة المستبدة الثلاثة، الأسدي والبوتيني والملالي الإيراني.
وفيما يكتفي زعماء دول غربية باتصالاتهم الدولية والإقليمية لمحاولة تطبيق قرار مجلس الأمن 2401، القاضي بوقف إطلاق النار وهدنة إنسانية مدة 30 يوماً، لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، يُمعن نظام الأسد والساسة الروس والإيرانيون في الدفاع عما تقوم به طائراتهم الحربية وأسلحة مليشياتهم من قصف وحشي وتدمير شامل وقتل ممنهج بحق سكان غوطة دمشق الشرقية المحاصرة، والمضي في سياسة الأرض المحروقة التي تلتهم الأخضر واليابس، ولا تفرّق بين البشر والحجر، سعياً منهم إلى إفراغ مناطق الغوطة من سكانها وتدميرها على رؤوسهم.
في المقابل، يكتفي المسؤولون الأمميون، بدءاً من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وانتهاء بمبعوثه الخاص ستيفان دي ميستورا، بتذكير العالم بأن الغوطة الشرقية ستلاقي مصيراً مشابهاً لمصير أحياء حلب الشرقية، ويسمونه “سيناريو حلب”، مخفين بذلك عجزهم وعجز المجتمع الدولي الذي لم يتمكن من إدخال قافلة مساعدات إنسانية واحدة إلى الغوطة. وحتى عندما دخلت قافلة بعد طول انتظار ومناشدات شتى، منعها النظام والروسمن إفراغ كامل شحنتها الخالية من المواد الطبية، كي يستمروا في قصفهم الغوطة، فاختلطت دماء الضحايا بمواد المساعدات، من دون أن يحرّك المجتمع الدولي ساكناً.
المقلق في الأمر أن قادة الدول الغربية يظهرون اهتماماً لفظياً، فقط، حيال حرب الإبادة التي يشنها الحلف الثلاثي الإجرامي، ويشدّدون في اتصالاتهم الهاتفية على ضرورة أن يستخدم الساسة الروس نفوذهم لدى نظام الأسد، كي يوقف حرب الإبادة على الغوطة، بدلاً من مطالبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوقف هجمات طائراته الحربية التي تفتك يومياً بالمدنيين، وهو ما فعلته رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في اتصالها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكأن كل من ماي وترامب يحاولان تبرئة الساسة الروس من مسؤوليتهم في هذه الحرب الإجرامية. وفي السياق نفسه، اتفق كل من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس ترامب على ضرورة أن يمارس الساسة الروس الضغط على نظام الأسد، لكي يوقف هجماته.
وقادت دبلوماسية الاتصالات الهاتفية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كي يتصل بنظيره الإيراني، حسن روحاني، للتشديد على ضرورة أن يمارس نظام الملالي الإيراني “الضغوط الضرورية” على نظام الأسد، كي “يوقف الهجوم العشوائي” على المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية، وإفساح المجال أمام إدخال مساعدات إنسانية، وذلك بدلاً من أن يطالب نظام الملالي بسحب مليشياته التي تحاول اجتياح الغوطة، وتحاصرها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتمنع عن أهلها المساعدات الإنسانية والطبية، وكأن ماكرون يريد من جانبه تبرئة نظام الملالي من مسؤولية ما يجري في الغوطة، والأنكى أنه أرسل وزير خارجيته، جان إيف لودريان، إلى طهران، الذي قابله روحاني بجفاء واعتبر أن السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية هو دعم النظام الأسدي، أي الدفاع عن النظام المجرم والإمعان في قتل السوريين.
ويبدو أن الساسة الروس وساسة نظام الملالي مرتاحون لديبلوماسية الاتصالات التي يعتمدها الساسة الغربيون، لأن أقصى ما تحمله دعوات ومطالبات و”اتهامات” لا توقف الحرب التي اتخذوا قرارها منذ مدة، وأبلغوه للجميع، بل إنهم دخلوا في لعبة تزوير الحقائق من خلال اتهامهم دول الغرب بـ”التقاعس”، و”انتهاك” قرار مجلس الأمن، القاضي بوقف الأعمال القتالية، لأنهم لم يمنعوا “مقاتلي المعارضة من شن هجمات يومية”، حسب افتراءات وزراة الدفاع الروسية في ردها على بيان البيت الأبيض الذي اعتبر أن “موسكو تجاهلت قرار مجلس الأمن”، وأكد أن روسيا قتلت “مدنيين أبرياء وسط ادعاءاتٍ زائفةٍ بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب”، واكتفى بيان البيت الأبيض بالقول إنها “التركيبة ذاتها من الأكاذيب والقوة العشوائية التي استخدمها كل من روسيا والنظام السوري، لعزل حلب وتدميرها عام 2016، وقتل آلاف المدنيين فيها”.
المفترض أن يقوم المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول الغربية، بواجباته الإنسانية، ويتحمل مسؤوليته حيال جرائم الحرب التي يرتكبها الروس وملالي إيران ونظام الأسد في الغوطة الشرقية، وسواها من المناطق السورية، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس الأمن 2401، القاضي بوقف إطلاق النار وهدنة إنسانية ثلاثين يوماً، ومضي أكثر من عشرة أيام على عدم تطبيقه، حيث لم يتلزم به لا النظام ولا الروس ولا ملالي إيران. وبالتالي، المطلوب تحرّك دولي خارج مجلس الأمن، يضع حداً لحرب الإبادة في غوطة دمشق الشرقية وسواها من المناطق السورية، لأن المفترض أن تطبيق قرارات مجلس الأمن مسؤولية جماعية للمجتمع الدولي، وعدم تطبيقها يستلزم إجراءات عقابية ورادعة، وهو ما لم يفعله المجتمع الدولي في سورية، على الرغم من الجرائم العديدة التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه بحق غالبية السوريين، منذ بدء حربهم الشاملة ضد ثورة الشعب السوري، الطامح للحرية والخلاص من استبداد نظام آل الأسد وظلمه.
عذراً التعليقات مغلقة